ليست تنازلات يا أخي

صديقي المقرب أحمد يروي لي عن فترة من حياته أثناء الجامعة قبل الثورة.. هذه الفترة التي لم أكن فبها قريبا منه حيث كان ملتح ومبالغ في تدينه مع رفقته الجديدة الذين كنا نسميهم قبل الثورة انصار السنة.. يروي لي أحمد ان أحد رفاقه هؤلاء قال له "نحن لسنا وسطيين نحن متشددون" وأن الوسطية تعني التفريط في جزء من الدين، وكيف أنه قرر أن يهجرهم ويعبد الله بعيدا عنهم بعد هذا الكلام الفارغ.
أجدني في هذه المواقف أتذكر الحديث الشريف حين قال الرسول صلى الله عليه وسلم "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق"
أو حين قال:"لا يشاد الدين أحد إلا شاده".
لست من هؤلاء الذين يقرأون المجلدات حتى يبرهنوا لأنفسهم أن الإسلام دين وسطي وأن اللين والرفق طبع أساسي في الإسلام فالحقيقة بينة بيان الشمس ولا ينكرها إلا متعمد..
الخلاصة أن البعض يرى أنه أمام خيارين لا ثالث لها إما تفريط او افراط..
دون أن أثبت أن بعض الإسلاميين مدفوعون دفعا.. اجدني مذهولا أمام ماقاله السيد محمد عبد المقصود على أحد القنوات الدينية عن سلفيو كوستا فيقول أنهم فرطوا في دينهم حتى يرضوا الناس واستشهد بآية من القرآن في غير موضعها..
دعك من أنه قال في معرج الكلام أن السلفية هي الإسلام وهذا خطأ فادح، فإن القضية التي تعنيني الآن هي اعتبار أن التوفيق بين الدين والواقع مجرد تقديم تنازلات لأعداء الدين وللعجب فإن هذه التهمة هي التي الصقت بأبي حنيفة حين أسس أول مذهب فقهي في الإسلام..
ان الاستمرار في هذه الممارسات الانعزالية يندرج تحت وصف الحماية الزائدة أو ما أشتهر بالإنجليزية overprotection وهو كارثة.. انك لا تحمي الدين بل تزيده عزلة وتضع الإنسان أمام خيار صعب بين دينه أو دنياه كلا الخياران خاطئان..
هذا الأمر يجعلني أقف اعجابا بالمصطلحات حين اتذكر أن ههؤلاء اسمهم "أصوليون" وأنهم موجودون في كل زمان ومكان وملة وغير ملة ولم ولن يكونوا يوما منتصرين..
إن الاتكاء على عصا التاريخ في أن هذه التيارات دائما مهزومة هو تواكل فج؛ لأنها ما كانت تنهزم لولا أصحاب العقول والمفكرين والتنويرين الذين يوفقون بين الواقع والدين وإلا ظهر من ينادي بطي صحف هذا الدين وإحراقها طالما لم يناد بها إلا فاشل أو رجعي..
لا داعي لي للإطالة في هذا الأمر إلا علمي أنه إما توافق وتوفيق أو تعارض وتهميش..
إن الغيرة الحقة على الدين هي التي تدفع الإنسان للإبتكار وتقديم الحلول والتوافيق وليست مهاجمة المجددين في الفروع بدعوى الحفاظ على الأصول وإن تستمع إلى مجدد مكرها خيرا من تعطي صورة سيئة عن الإسلام لكل العالم على أنه دين رجعي يعرقل الحضارة البشرية..
وبدلا من أن تهاجم من يتبنى الأفكار الغربية أو أن تتفحصها لتهاجم أخطاءها حاول بحسن ننية ان تشجع من يعملون من أجل تطوير نظريات سياسية واجتماعية متوافقة مع ما تؤمن به أو استمع بحسن نية لمن يأت بأدلة من النصوص الشرعية بأن ما يؤمن به من مبادئ متوافق مع الشريعة أو لا يعارضها أو أحيانا جزء منها في غلاف أجنبي..
يا أخي.. إن الاسلام انتشر في بلاد كثيرة من قديم الأزل على اختلاف السنتها وعاداتها وتقاليدها ولم يفرض عليهم نمط حياة معين كما تريد أو تتصور وليست محاولات التجديد التوفيق أو التعايش مع الثقافات الأخرى تنازلات بل هي أقوى أساليب حماية هذا الدين من ان يصبح حبرا على ورق في كتبه تزين به السيارات والدواليب وهذا لا نرضاه للإسلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Followers

Featured Posts