خواطر عن التجديد (ربما تكون الحلقة الأولى أو الأولى والأخيرة)

الإسلام ليس دين كهنوت لكنك لا تستطيع أن تتعرض لشخص أحد من مشايخ الشاشات والإذاعات بأي انتقاد أو لو على أي شئ قاله أو فعله. الشيخ محمد متولي الشعراوي مثلا فعل كل شئ ولا أحمد يستطيع أن يتعرض له حتى عندما تصدى له صحفي مثل إبراهيم عيسى تم مهاجمة ابراهيم عيسى من كل أطياف المسلمين تقريبا لأنه تجرأ على شخص مولانا ..
الشيخ الشعراوي قرأ خواطره حول آيات القرآن فأصبحت خواطره تفسيرا يلتزم به البسطاء وطقسا دينيا في انتظار أذان المغرب في رمضان وأصبحت صوره تجسد الإسلام الوسطي والأدعية المسجلة بصوته تضمن له حصانة من الانتقاد فهو يظهر بدورين معا , الداعية والواعظ والمعلق الصوتي.

الرجل له قدسية تجعلك تتلقى اللوم والانتقاد لو نشرت له مادة مرئية بالصوت والصورة يعلن فيها آراء رجعية جدا يحرم فيها نقل الأعضاء أو إجراءات الرعاية الطبية الفائقة بحجج خائبة ودون الرجوع لمصدر معقول من القرآن أو الحديث النبوي. أ, وهو يحرم تهنئة المسيحيين وغير المسلمين بأعيادهم أو غيره من الآراء الشاذه التي ترسخت في عقول المسلمين. أصبح كلام الرجل ذكرا وأصبح رأيه فقها ووجهه رمزا للإسلام وانتقاده خطءا ..

هذا ما فعله الشعراوي بالإسلام. البعض يقول أنه ليس ذنبه, لكن -وهنا يبرز انتقاد ابراهيم عيسى له- الرجل كان يرى ويعلم ويسعد.
حتى إن محاولاته للتبرؤ من هذا الاتهام جلبت له المزيد من القدسية ولا أعلم أنا شخصيا من ألوم هنا. فقد تواطأت الأمة كلها على وضع رجل في موضع يخالف تعاليم الكتاب والسنة.

التلفزيون الذي لا يبث سوى قناتين فقط ولا يشاهد المصريون غيره والراديو الذي يخترق كل البيوت التي لم تمتلك التليفزيون بعد والصحف العادية وإصدارات الأزهر كلها تضع الرجل في إطار لا يجب أن يوضع فيه مسلم. كل هذا ونحن نتكلم عن الوسطية وإسلام عموم المسلمين المسالمين الذين يتغنون ببساطة الدين وخلوه من الكهنوتية والرهبنة ودعوته للسلم والصلح.

في الجهة المقابلة أعلن السلفيون المتطرفون في كل شئ بما في ذلك أن الإسلام ليس به كهنوت أن لحوم العلماء مسمومة ولا يجوز التعرض لهم بأي حال خصوصا لو كان هذا المدعو بالعالم من مشايخ التيار السلفي الوهابي وانتشرت العدوى بين المتطرفين والمعتدلين. شخصنة الدين في أشخاص ومؤسسات. ومد خط القدسية إلى آراءهم التي قالوها بدون استناد إلى القرآن ولا السنة -رغم أن السلفيين يكرهون القياس بشكل عام- فصار عليك اتباع آراءهم والتغاضي عن أي قول آخر حتى لو كان قائله هو أبو حنيفة النعمان.

قل لي إذا كيف سنصلح الخطاب الديني وقد أصبح كل شئ مقدس من أول مولانا بمرورا بكلام مولانا انتهاءا بخراء مولانا ؟
الأمر هنا ليس بيد أي مؤسسة سوى المؤسسة السياسية المنتخبة وهي الوحيدة التي تستطيع أن تخوض غمار هذه المعركة قطعة بقطعة مستندة إلى ماتملكه من صلاحيات لإنفاذ أي قرار يحد من تغول رجال الدين على رؤوس البشر ولفرض المساواة والحرية بين أتباع جميع الأديان والمذاهب وتعويد الناس على هذا الشئ المدعو بالتعايش.

ورغم أنني جئت هذه المساحة للحديث عن ضرورة التحرر من قبضة رجل الدين إذا أردنا إصلاح الدين إلا أنه لا يمكن التغاضي عن حقيقة أنه لا تنوير بدون حريات وبدون ضمان حق الناس في الخطأ والانتقاد والسخرية من كل الرموز ومن ضعفنا الإنساني.
يجب أن تحمي الدولة من ينتقدها وينتقد قادتها لأن هذا هو السبيل الوحيد لضمان ولاء الناس لهذه الأرض وهذه الدولة وهذا الشعب.

أفكاري - الحلقة الأولى



لدي دوما هذه الرغبة في الكتابة الشعور بتحقيق شئ ما كي أنفي عن نفسي تهمة الخوف من الحياة والهروب من برد الشتاء. ولإثبات أنني لم أقصي الثلاث شهور الأشد برودة مستلق على ظهري في الفراش مختبئأ تحت الأغطية.

بالعصر كانت لدي فكرة عظيمة فكرت في تدوينها وعندما عدت إلى اللابتوب لم أجد هذه الفكرة. لكن صدقوني, لقد كانت فكرة عظيمة وستشرح قلوب الكثير من البشر.
اليوم أيضا فكرت في أننا لدينا تصور خاطئ عن الحكمة والمثل وأنها مقولات نتجت من خبرة ما, ربما كان الأمر كذلك في الحضارات القديمة حيث لكل مثل قصة وحكاية. هذه الأيام الحكمة متناثرة في كلامنا وتنتظر من يقتطعها من سياقها ويكتبها بخط سميك ويضفي عليها نوعا من الشاعرية والعمق فيبدو للسامع أن شخصا ما خانه صاحبه فجعل منه دخانا وأن شخصا آخر ضرب الودع فمالقيش صاحب جدع..


عودا إلى فكرتي المفقودة.. أتذكرها الآن, هي عن الزخم وكيف أنه يعمي عيوننا عن الكثير من الأسئلة. وكيف أن تضخيم الإحساس بلحظة ما يعمينا عن الكثير من اللحظات التي كانت أقل رومانسية وأكثر خطورة. وكيف أن الشعور الكاذب بأننا أصبحنا نعرف كل شئ عن شئ ما أصبح يضللنا وأنه أصبح بالإمكان لو أننا التقطنا أنفاسنا وشعرنا بقليل من اللامبالاه تجاه رومانسية هذه اللحظة يمكن ألا نتوقف عن التساؤل وقد تقودنا اللامبالاه إلى عدم التساؤل على الإطلاق وربما كان هذا أفضل غير أن المشاكل هي التي تأتي إلينا.

أتذكر هذا ونحن نمر اليوم بذكرى هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. وما استتبعه من ثورات أخرى كان أولها في مصر وامتدت لتطال العالم العربي. وكيف أن لحظات تم تصويرها بكاميرات الفيديو كانت دسمة على عقولنا ولم نهضمها سريعا فلم نتفرغ للتساؤلات المشروعة إلا بعد فوات الأوان.

لكن فكرة أخرى تنتابني وتربكني وهي أن فعل الإندهاش هو فعل سياسي وأن الشعوب فقدت عذريتها "كطرف موجب في علاقة ما" في هذه الأيام. وأنه رغم إيماني أننا لا نعلم إلا ما يراد لنا أن نعلمه أن مانعلمه علمناه بطريق الصدفة وأن علمنا أو عدم علمنا أصبح لا يشكل فارقا في الأيام الأخيرة. إلا أنني متيقن أن لا أحد يريد مفاجئتنا. الأنظمة تعلم ذلك جيدا هذه المرة. خصوصا تلك التي لاتملك الجرأة لتقتل شعبها مثل هذا الموجود في سوريا.
هذا الحاجز النفسي والرغبة في عدم الاعتياد على شئ ما هو حاجز وهمي في الحقيقة. سوف تندهش الشعوب من جرأة الأنظمة إذا حاولت المساس بمكتسباتها وسوف تندهش الأنظمة من رد فعل الشعوب ثم سنعتاد جميعا على حمامات الدم , وإذا لن نندهش سوف نعتاد الدماء والأذى لذلك يجب علينا ألا نكف عن الإندهاش والزخم المصاحب للإندهاش وهذه الاسئلة التافهة وهذا التفرغ لوصف هذا الشعور وهذه اللحظة من جميع جوانبها.


لكن الكثير من المدارس الصحفية تقوم بهذه الوظيفة بشكل مخطط ومدروس وخلق حالة من الزخم/الإندهاش المفتعل لتعطيلنا عن التساؤل المشروع عما حدث وعما سيحدث وعما يحدث. فنحن كما قلت  لا نعلم شيئا وليس لنا أن نعلم وإذا علمنا نعمل عن طريق الصدفة وربما لا يشكل فارقا علمنا من عدم علمنا .. بل إن من يشوشون علينا هم الآخرون لا يعلمون ومن يخرجون علينا ليقولون أنهم يعلمون لا يعلمون..

كل شئ يقودنا للتشتت زهوة الانتصار ومرارة لهزيمة ومشاعرنا البريئة في لحظة ما ربما كانت سبب في تحريك المياة رغم أننا ما برحنا مقاعدنا لكن هذه النفس البشرية التي لازالت تشعر بالخجل ولديها هذا الحاجز النفسي هي التي فعلت الصواب وهي التي امتنعت عن فعل الخطأ حين كان متاحا لها أن تفعله دون مساءلة.

 أعتقد بالنهاية أنني كتبت هذه التدوينة لأجل هؤلاء الذين يفعلون الصواب ويمتنعون عن الخطأ لا لشئ سوى الخجل, هؤلاء الذين يحفظون الأسرار ويسيرون بيننا ولا نعرفهم, هؤلاء الذين يتلقون الاتصالات ويرسلون الرسائل ويوصلون الحلقات ويصورون أن الصواب هو السبيل الوحيد للنجاة أمام هؤلاء الذين يستطيعون أن يفعلوا الخطأ ولا يجدون من يرشدهم في أرض الضلال, هؤلاء الذين يجعلون لإندهاشنا قيمة أمام من لا يشعرون. 


Followers

Featured Posts