الحال في مصر

في الحقيقة الكلام عن النهضة والحضارة في مصر كلام ذو شجون. مثلا ماهو المصير المتوقع لطالب نابغ في المرحلة الاعدادية او الثانوية. سيتم انهاكه في المذاكرة وسيلتحق بكلية الطب البشري وسيتخرج مثل اي طبيب محبط فقير يكافح من من اجل زيادة طفيفة في مرتبه من وزارة مالية ووزارة صحة فاشلتين.
اتسائل ما الذي يمكن ان يصل اليه اي شخص حاصل على مؤهل فني او شهادة عليا في الهندسة ولديه مجموعة افكار جديدة عن مجال صناعته. سوى ان يكون موظف مطحون في احدى الشركات واقصى مايمكن ان يصل اليه هو ان يكون ذو سمعة مهنية حسنة بين زملائه.
مصر هي بلد الفرص المعدومة. حيث لايمكن فيها بأي طريقة شرعية الارتقاء فيها من الصفر الى قمة الهرم الاجتماعي.
الطبيب في مصر هو مجرد فني وفي كل العالم كذلك هو مجرد technician باختلاف درجات التقدير المادي والأدبي في المجتمعات.
ورغم ذلك يتنافس كل اولياء الامور من اجل الحاق ابنائهم بهذه الكلية البائسة فقط لمجرد انهم سيجدون فرصة عمل مضمونة بمرتب هزيل في القطاع العام وفرص عمل جيدة في القطاع الخاص تعتمد على قدرة الخريج على التماهي مع رغبات اصحاب الاعمال.
هل تريد لإبنك أن يكون معذبا هكذا ؟ وهل هناك طريق مضمون وشرعي لأكل لقمة العيش في مصر سوى هذا ؟ الإجابة في الحالتين لا.
أتكلم عن الطب تحديدا لأنها مهنتي.
لكن عموما هل مصر تقدر أي إنسان مبتكر وصاحب فكرة ؟
هل يمكن لأي شخص صاحب فكرة أو منتج سلعي أو خدمي أن يجد طريقه إلى سلم المجد ؟
الإجابة لا.
مصر دولة غارقة في الفساد وانتهاك الحقوق من جانب الدولة ومن جانب الحيتان الكبار في السوق الذين يخشون من أي منافسة مع أي شخص أو كيان مهما بلغ صغره.
مصر دولة لا تهتم باكتشاف المواهب الضغير في المدارس والتي يمكن أن تبني مستقبل مبهر وإسم مشرف لهذه البلاد. ولهذا فإن 100% ممن نفاخر بهم في مجالات العلوم استكملوا حياتهم العلمية والعملية خارج مصر.
بل إن مصر لا تتوانى عن القبض على مخترع عبقري مثل الطفل عبد الله عاصم لمجرد انه تم القاء القبض عليه يسير بجوارمظاهرة للإخوان واصدرت قراربمنعه عن السفر للمشاركة في مسابقة علمية عالمية كان سيرفع فيها إسم مصر عاليا بأكثر مما يستطيع أي نطع ممن يتحكمون بنا ومستقبلنا.
أذكر أنني لما كنت في المرحلة الاعدادية كنت اطمح الى دخول كلية العلوم. وفي الثانوية العامة كنت مغرما بالفيزياء والكيمياء وقرأت فيهما بعض المعارف من خارج المناهج وأحسب نفسي وأنا أنظر عشر سنوات إلى الوراء أنني كنت عبقريا ذا مستقبل باهر في الفيزياء النظرية.
لكن قدر الله أن أدخل كلية الطب وأسعى إلى زيادة في مرتبي الشهري تقدر ب 120 دولار يستطيع أي طبيب في العالم أن يجنيهم في ساعة.
لكني أتساءل.. وماذا لو كنت دخلت كلية العلوم بكل هذا الشغف بالعلم. كنت سأواجه مناهج متخلفة وأساليب تقييم رجعية ووساطات وتحيزات لأجل أبناء أعضاء هيئات التدريس وفشل محدق ينتهي بي خريج عاطل يبحث عن لقمة عيش في أي مجال.

نعم مصر دولة عقيمة أدمنت التكرار والنسخ بحيث إذا افتتح أحدهم محل "فول طعمية" في أول شارع سارع أحدهم بافتتاح مطعم مماثل في نهاية نفس الشارع.

منذ فترة اشتريت جهاز الكتروني يعمل بنظام اندرويد وسألت نفسي هل هناك أجهزة أمريكية تعمل بنظام أندرويد -بغض النظر عن أن نظام الأندرويد نفسه تم تطويره بواسطة شركة جوجل الأمريكية- وكانت الإجابة بحسب علمي لا. وهذا في ظني لأن الأمريكان غير معنيين بالتكرار أو الاستثمار في الأنشطة الآمنة. هم -أمة متقدمة- معنيين باكتشاف الجديد وفتح مجالات جديدة وخلق أسواق جديدة لم تكن موجودة من قبل. وهذا يعتمد على قدرة الأمة على الخلق والاختراع والابتكار والابداع.
وفي هذا أمثلة كثيرة. فشركة ميكروسوفت العملاقة وصاحبها أغنى رجل بالعالم كان مجرد طفل نابغ في استخدام الحاسب في سبعينيات القرن الماضي. وكان ينتمي لأسرة عادية جدا. لكن الدولة التي احترمت أفكاره ومنحتها الحماية من السرقة ومن مناطحة رجال الأعمال الفاسدين والمحتكرين تجني اليوم من ورائه ضرائب سنوية بالمليارات.
هذه هي المقومات الاقتصادية لأمريكا في نظري. ويرعاها في ذلك مظلة متينة من احترام قوانين الملكلية الفكرية والشفافية ومكافحة الفساد والاحتكار.
وهذا كله غير موجود في مصر. ولذلك لن تتقدم مصر. وإذا أردت دليل على ذلك اسأل نفسك هل يمكن أن يخرج من حي امبابة أو شبرا بيل جيتس أو مارك زوكربرج مصري دون أن يخرج خارج مصر ؟ الإجابة أيضا لا.

Followers

Featured Posts