المكسب والخسارة


فوجئت عند عودتي لمدينتي بعد إجازة سنوية أن السوبر ماركت المفضل والأقرب مكانيا لمسكني قام بإخلاء بعض الأقسام وإعادة توزيعها وتقليل حجم البضاعة المعروضة. بسؤال بسيط علمت من الأصدقاء أنه يتعرض لخسائر مالية ومتأخر عن الوفاء بالتزاماته المالية. كيف يمكن لمتجر من ثلاث طوابق مثل هذا به كل مايحتاجه المتسوق أن يمنى بهذه الخسارة وكنت أظن أنه أكبر من أن يفشل بحكم أنه يدر الكثير من الأرباح وأن أقدام الزبائن لا تنقطع منه على مدار 14 ساعة يوميا بلا توقف.

الأمر بسيط وهو ليس اختراع أو بدعة، الربح لا يضمن النجاح، أن يكون لديك متجر يصنع أرباح بمعدل 600% فهذا لا يعني أن متجرك سيستمر بالنجاح وإدارار الأموال للأبد، فالدول والحكومات تراقب آداءها الاقتصادي ومؤشراتها الاقتصادية وتوقن أن أفضل وسيلة للحماية من الانكماش الاقتصادي هو السعي وراء النمو الاقتصادي المضطرد وأن ثبات معدل النمو يعني أنه معرض للانخفاض وأن انخفاض معدل النمو يعني أنك في انتظار أن تعبر النقطة صفر لتبدأ رحلة الانكماش وأن تكون أرقامك قيمتها الرياضية سلبية.

لكن أيضا الدول المصنعة والتي لديها قوة سوقية وبشرية وعوامل الاقتصاد المتكامل هي أيضا تحظى بموجات انكماش لأسباب لا علاقة لها بطبيعة انشطتها الاقتصادية أو مدى ربحيتها. هذا الأمر ينطبق على الشركات أيضا.

القرارات المالية التي يصنعها أصحاب الياقات البيضاء في البنوك المركزية والفيدرالية تؤثر على قرارات ملايين البشر، والقرارات التي يتخذها أصحاب الأعمال والمديرين التنفيذيين أيضا تؤثر على حياة آلاف الأسر، وهذا ليس له أي علاقة بأن العامل الموجود في المصنع يقوم بواجبه على أتم وجه ويقتطع من وقت أسرته وراحته ويعطي عمله.

في الحروب، البطولات الفردية لا تصنع الانتصارات، لكن تصنعها الأخطاء الفردية من القوى المضادة، قرار أحمق من قائد أو زعيم، حريق في أحد مخازن الذخيرة يعطل الإمدادت عن معركة مفصلية يعجل بالهزيمة ويفتح الطريق أمام الغزاة لاحتلال العاصمة، الهزيمة جاءت في هيئة عود من الكبريت وضع في مكان غير ملائم. النصر يأتي عندما يكون لديك قائد يدرك اللحظة الفارقة أن هناك ثغرة يجب استغلالها لإنزال أشد الهزائم قسوة بالأعداء.

الحياة تحمل الكثير من المفاجآت والأقدار والمعجزات تحدث كل يوم، لكن السماء لن تمطر ذهبا في حجر من أفنى عمره في الكد والعرق، بل ستعطي من يعرف ماذا يريد ولديه الحد الأدنى من الوفاء لطموحه وعمله والتزامه. وليس هناك وصفة واحدة يمكن إعطاءها لكل إنسان فيصبح ما يريد، لأن أبسط الحقائق تقول أن الكثير لا يدرك ماذا يريد ولا يدرك أنه غير جدير بأن يكون محظوظا عندما تحدث المعجزة.

ماذا لو قام العمال في السوبرماركت باقتطاع نصف أجورهم لمدة شهر لأجل تخفيف الأعباء المالية عن ميزانة السوبرماركت بينما المالك مستمر في انفاق أرباح السوبر ماركت كلها على مشاريع أخرى ؟ بالطبع سيفشل وسيفشلون لأنهم ببساطة لم يشاركوا في صنع قرار قياداي يتناسب مع حجم عطاءهم للمكان.

المسألة واحدة، هناك الكثير من الأمور خارجة عن إرادتنا وواجبنا الشخصي كأفراد أن نحصن أنفسنا ضد غباء الآخرين واضطرابات صناعة القرار، التحصين هنا لا يعني فقط الادخار، بل يعني التدريب والمحافظة على تواصل مع آخرين من خارج دوائر ارتياحنا والمحافظة على تواصل ومعرفة بما هو يجري داخل أروقة صناعة القرار، ربما يكون قدرك أنك فأر في السفينة، فأر حقير لا يعبأ أحد لأمره، فعلى الأقل اهتم لأمر نفسك لأنه لن يفعل ذلك أحد لأجلك. أنت فأر ويجب أن تقفز من السفينة مع أول جرس إنذار، لا تنتظر لتزاحم الناس ويزاحموك في لحظات اليأس الأخيرة.

الحياة مليئة بالمفاجآت ومليئة بالتفاصيل والتعقيدات، وما يبدو لك مفاجأة وأدعوك إلى استغلالها ربما لايكون مفاجأة لو أنك استبصرت بكل التعقيدات والتفاصيل وأركت أنه لا مجال للمفاجآت في الحياة وإنما هي مفاجآت لأنك أنت من تفاجأ بها في وقت كان الأجدر بك أن تتوقعها. الحياة معقدة يا صديقي ولن تكف عن إبهارنا ومفاجأتنا بما لا نعلم في الماضي والحاضر والمستقبل وربما كانت كل خياراتنا في الحياة هي إما أن نقفز من السفينة بينما الناس ترقص في غفلة عن الحريق القائم في غرفة المحركات أو أن نقفز من السفينة متزاحمين مع آلاف البشر بدون أي استعداد أو استيعاب.

Followers

Featured Posts