هو سَمَّاكُم المسلمين

أعلم أن الكثيرين طرحوا هذه الأمور للنقاش وأن ربما طرحي لا يضيف جديدا لكني في الحقيقة أكتب لأسجل موقفي لعلي أسأل عنه يوما ما ولعلي أفيد أحدهم إن مر بهذه الصفحة عابرا في بحور الويب ..
ماذا يطرح الإسلام السياسي حتى ينتخبه مواطن عاقل ولديه الحد الأدنى من العقل النقدي ؟ هم مجرد سعاة في طلب السلطة يصوروا لأنفسهم ولناخبيهم  صفات ومميزات وهويات من اللاشئ وتطرح اللاشئ .. بل إنهم يرجون لبضاعتهم الخاوية هذه بأساليب فاسدة وتخالف مايدعون به وما يؤمنون به ..
فمثلا يقول أنصار الإسلام السياسي في عدم جواز ولاية غير المسلم ويقول مدعو التفتح فيهم بأن الحكم والرئاسة طالما محدود بدستور وقانون فليست ولاية عامة ثم لا ينفكون يقولون هذا مرشح الكنيسة وهذا نصراني وهذا خادم الصليب ..
ألم يعلموا أنه في عهد الخلافة العباسية كان هناك وزراء من النصارى تقلدوا وزارة المالية أو ما يوازنها في عصرها .. وأن النصارى في عهد الدولة العباسية كانوا يشرفون على تربية أبناء الخليفة وتعليمهم ؟
ثم هم يطرحون الشريعة الإسلامية ويعدون بتطبيقها إذا فازوا بالمقاعد ثم يخلفون وعدهم ولا يطبقوا منها إلا ماهو شاذا أو موضع خلاف أو يلبسوا مصالحهم الخاصة برداء الشريعة أو يظهروا من الأفعال والأقوال ما يخالفها هم أو مؤيديهم ؟
ما هذه الدوجمائية الفاسدة ؟! اليس القرآن يقول ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾ القصص: 26 فهل هؤلاء أمناء أو أظهروا من الأمانة ما يدعونا لاستئجارهم ؟ هؤلاء يسوقون لأنفسهم أنهم إسلاميين  وعندما يرد العلماني بأنه هو أيضا مسلم يردون قائلين لا يكفي أن تكون مسلما يجب أن تكون إسلاميا ! يكفي لماذا ؟ بحق .. يكفي لماذا ؟ لرضاك أنت وطائفتك ؟ أم لرضا الله ؟ الله يقول في صورة الحج   هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ وأنت تزايد على الله ؟! يا لبجاحتك يا أخي !

******************

يروى عن أبي حنيفة رضي الله عنه -وكان تاجر قماش غني جدا ومشهور في بغداد بجانب تفقهه في الدين- أنه جاءه رجل وطلب ثوب حرير، فقال لأبنه حماد: يا حماد، أخرج ثوباً. فأخرج حماد ثوباً ونشره -أي فرده كما يفعل تجار القماش- قائلاً: صلى الله على محمد..! فقال أبو حنيفة: "مه قد مدحته"..ورفض أن يبيعه، وتجول المشتري في السوق يبحث عن ثوب آخر، ولم يوفق فعاد إلى دكان أبو حنيفة أشد ما يكون حاجة إلىالثوب، وأظهر ما يكون استعدادا لدفع الثمن، ولكن أبو حنيفة في غير مخاشنة، ولا مشاقة، بل في سماح، رفض أن يبيع حرصا على عدم استغلال الدين لأجل الدنيا .. هكذا يعلمنا الإمام الأعظم أبو حنيفة عن احترام دين الله .. فالدين جاء لتهذيب النفوس وتربية الرجال لا لطلب الدنيا والدنانير ومدعي الإسلام يتاجرون في الدنيا على المنابر مروجين لأحزابهم ومكفرين لمنافسيهم وقد قال الرسول ص : إذارأيتم الرجل ينشد ضالته – يعني في المسجد – فقولوا : لا رد الله عليك ضالتك ..

هذه هي الشريعة التي يدعون إلى احترامها وهم أول من يخرقوها ..

********************

يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات-113 .. إن أكرمكم "عند الله" -وليس عند الناخب- أتقاكم ويأتي في هذا السياق مفسرا قول سيدنا عمر بن الخطاب :  لا تَنْظُرُوا إِلَى صِيَامِ أَحَدٍ وَلا صَلاتِهِ وَلَكِنِ انْظُرُوا إِلَى صِدْقِ حَدِيثِهِ إِذَا حَدَّثَ , وَأَمَانِتِهِ إِذَا ائْتُمِنَ , وَوَرَعِه إِذَا أَشْفَى "  أي أن العبرة بالمعاملة والمعاملة فقط ولا عجب وقد عرف الرسول ص في مكة قبل البعثة بالصادق الأمين .. أين أنتم من صدق الرسول وأمانته وأنتم تحتكرون الحديث بإسمه وتمثيل دينه ..؟

هذا حال الإسلام السياسي من يوم أن وجد .. بضاعة فاسدة ودعاية فاسدة .. هم فعلا في أزمة وجودية ؟ من أنشأ الإسلام السياسي ؟ ولماذا ؟ وما مميزاته ولماذا يفشل دائما؟ ولماذا يعادي التطور ولماذا يفتت الأمة ولماذا ينتهج العنف أو التضليل أو كلاهما ؟ ولماذا يسعى إلى قولبة الناس في قالب واحد وقد خلقنا الله مختلفين وأراد لنا الإختلاف والتعايش على اختلافاتنا .

رأي بسيط في الحاكمية

بسم الله  ..
في الحقيقة تصور السلفيين -وهم التيار الفكري الأساسي بين صفوف الإسلام السياسي- عن حاكمية الله عجيب ومخجل وبه نوع من الرومانسية الساذجة أو المزايدة بالدين في طلب السلطة .. نعم يا صديقي كل هذه التهم في عبارة واحدة .


فهي تقتطع الآيات القرآنية من سياقها ثم تأخذها على ظاهرها ثم تقول أمور مسلم بها مثل "السيادة لله" ثم تقحم هذه "السيادة لله" في صراع مادي على منصب أو كرسي خشب ..
في نظري الحاكمية نظرية قائمة على عدم اعتراف من ابتدعها بحرية العقيدة  سواء في اختيار الدين أو داخل الدين .. وكم من التجاوز لهذه النقطة في أدبيات الإسلام السياسي لهذه النقطة .. كما أنها ليست مما يظهر لنا من أركان الإسلام المنصوص عليها في حديث الرسول ص الشهير ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمداً رسول الله و إقام الصلاة , وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان ) متفق عليه أخرجه البخاري ولا من أركان الإيمان في الحديث الشهير الذي رواه مسلم نْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ , وَمَلائِكَتِهِ , وَرُسُلِهِ , وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ , وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ" 

وبدون أن أدخل في علوم العقيدة سوف أشرع مباشرة في مناقشة مايهم واقعنا .. وهل فعلا "إن الحكم إلا لله" التي يقولها السلفيين والإخوان في طلب السلطة هي "إن الحكم إلا لله" التي يقصدها القرآن ؟
 وردت إن الحكم إلا لله في سورة يوسف مرتين  الأولى:
{مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }
يوسف40

وكانت تعقيب من سيدنا يوسف على كلامه مع رفيقيه في السجن وعلى عبادتهما لغير الله ولو كان سيدنا يوسف يقصد بها اعتراضه على نظام الحكم في مصر لكان رفض أن يكون جزء من نظامها السياسي بعد أن خرج من مصر وبخاصة أن القرآن لم يخبرنا عن دور دعوي لسيدنا يوسف أو عن خلاف سياسي مع عزيز مصر  ..
 وذكرت المرة الثانية في :
قَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ يوسف 67

وهي في وصية سيدنا يعقوب لأولاده  وهو يوصي أبناءه بالحذر عند خول مصر ويقولها معقبا وواضح من السياق أنه يقصد أن القضاء والقدر كله بأمر الله وأن لا راد لحكم الله ..
إذا العبارة  تتحدث عن توحيد "عبادة" الله في الآية الأولى وعن "القضاء والقدر" في الآية الثانية وهما شأنان لا دخل لهما بأي صراع سياسي دار في قصة سيدنا يوسف كما أنها موضع اتفاق من كل المسلمين والإختلاف عليهما حق منحه الله للإنسان طالما أن هناك بعث ونشر وحساب وجنة ونار ..

*****************

في الحقيقة -وكما فهمنا مما سبق- أننا عندما نقول "إن الحكم إلا لله" فإنا نعني أن كل الوجود وما علمنا وما لم نعلم في قبضة الله  وهذا مسلم به عندنا كمسلمين .. لكن الصيغة التي يتم بها تناقل هذه العبارة القرآنية تعني وكأن هناك من يبحث عن حق الله في حكم بلد ما وكأن -والعياذ بالله- الله عاجز عن إتيان حقه -تعالى الله-  أو أن الله الذي خلق هذا الكون طرف في نزاع على سلطة مادية حقيرة ولهذا أرى أن إقحام هذه الآية القرآنية إهانة أو إزدراء -كما هو شائع اليوم- للذات الإلهية مالم تكن استخفاف بعقل المتلقي .. 


******************

في الحقيقة عندما يصل الجدل العلماني-الإسلامي إلى ذروته يكون الخلاف هو مصدر التشريع ويكون التشريع هو المقصود بفكرة حاكمية الله -وهذا لا ينفي عنها التهم التي ذكرتها سابقا-  ..
أود ان أذكر ثلاثة مبادئ يبدون لي كمسلمات ..
الأول: أن غاية التشريع الإسلامي هي العدل. طبقا لقول إبن القيم  "إن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط. وهو الأساس الذي قام عليه ملكوت السماوات والأرض. فأينما كان العدل فثم شرع الله ودينه وإن لم ينزل به وحي أو ينطق به رسول".

الثاني: أن جوهر العدل المساواة وليس غلظة العقوبة أو لينها .
الثالث: أن لا مفر من الخلافات الفقهية ..

هنا أنا سوف أدافع عن التشريعات الوضعية
يقول الله عزل وجل :
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[النساء:65]
أي أن المؤمن الحق هو الذي يلجأ إلى ما في القرآن والسنة من تشريعات ..
حسنا .. ضع بجوار الآية السابقة الآيات التالية :
﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) . الكهف 29
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) [يونس : 99]
{لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} (البقرة:256)


إذن لايمكن إجبار أحد بشكل ما على الإيمان وبالتالي التقاضي أمام تشريع معين إجبارا .. حتى ولو كان يدين بنفس الدين الذي جاء منه التشريع ..
لابد إذا من خلق أسلوب للتوافق بين الناس والناس وبين الناس وحكامهم حول ما التشريع الذي سنتقاضى أمامه .. هنا تنشأ فكرة العقد الإجتماعي .. العقد الذي يتجسد في الدستور والقانون .. وهما مجهود بشري  بحت  يقول الله عز وجل :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}النساء
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} المائدة

ويقول الرسول ص في حديث آخر:
" الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلا شَرْطًا حَرَّمَ حَلالا ، وَأَحَلَّ حَرَامًا , وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ النَّاسِ إِلا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلالا " .
أي أن العقود -العقد الإجتماعي- -التشريع الوضعي- ليست حراما على مالم تحرم حلال أو تحل حراما وطالما حققت العدل بين الناس بخاصة أن  القرآن والسنة لم يغطوا كل جوانب الحياة في تشريعهما وأن رسول الله قال :
ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً، ثم تلا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا }.
أي أن ما يتشدق به الكثيرون عن كفر هذا المذهب وهذه الأيديولوجية يقع في منطقة العفو كما أن الإصرار على تطبيق نظام ما أو تشريع ما يهدد السلم الإجتماعي ووحدة البلاد مثلما حدث في السودان وحيث أن الصراع على السلطة أو إدارة البلاد هو من الأمور المادية أو الدنيوية يقول الرسول ص في حدث تأبير النخل الشهير " أنت أعلم بشؤون دنياكم" وكأنه يرسل لنا رسالة مفادها لا تلتفوا لمن يتحدث بإسمي طالبا منصب أو جاه فأنتم أعلم بشؤون دنياكم ..


 ********************

في النهاية أتركك صديقي القارئ مع حديث بريدة عن رسول الله حيث قال في حديث طويل :
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ ................. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لا. رواه مسلم (9/150).

حيث يخبر الرسول أن الأحكام التي نسير بها دنيانا وشؤوننا المادية يجب أن تصدر باسم الشعب أو أي شخص آخر لا بإسم الله ورسوله لئلا رجعنا فيها فنسئ إلى الله ورسوله  وأن إعمال العقل خير من السير وراء تفسير مشوه لنص قرآني أو حديث شريف ..


والله أعلم

أسباب أخرى للفشل المصري


لدي اعتقاد راسخ أن رفاهية الشعب المصري مرتبطة بأمرين الأول هو التوقف عن التهام الأراض الزراعية لبناء المساكن والتوجه للصحراء والأمر الثاني هو التوقف عن بناء المباني ذات العدة أدوار ..
لا أعرف كيف يصر المصريين على الانحشار في الوادي الضيق وترك الصحراء الواسعة الشاسعة حيث يمكنه بناء مسكن واسع ذو حديقة وفناء وجراج خاص بدلا من زحام القاهرة والأقاليم الخانق حيث أن المباني ذات الأدوار الكثيرة تحتاج لمساحات في الشوارع -الضيقة- لركن وتسيير سيارات سكانها بينما في المدن التي تعتمد على البيوت المكونة من طابق واحد أو اثنين وتلتزم بمساحات فاصلة بين البيوت يكون نصيب المواطن وسيارته من الشارع أكبر بكثير..
***************
 صورة للشكل التقليدي للمسكن المصري حيث بيوت صغيرة ضيقة متكدسة في منطقة ضيقة حيث:
لا مكان لركن السيارات فيضطر السكان لركن سياراتهم في الشوارع العمومية ضاغطين على حركة المرور اليومية
لا أماكن ترفيه أو تسلية



صورة بالقمر الصناعي لإمبابة.. انظر كمية البيوت المتراصة بشكل فسيفسائي مثير للشفقة على سكانها و أطفالها




صورة أخري للأبراج التي يتم زرعها في الشوارع الضيقة بالقرب من وسط المدن ضاغطة على شبكة المرور بسيارات أصحابها وبجلب مزيد من الزحام لمركز المدينة

أتساءل .. كيف يمكن أن ينمو خيال طفل أو تلميذ في منطقة موبوءة مثل هذه .. كيف يمكن أن ينال المواطن قسطه من الهواء والمناطق الخضراء .. ماهو شكل التسلية أو الترويح الذي يمكن أن يستنشق الإنسان خلاله هواء نظيف ؟.. أين المكان الذي يمكن أن يحظى فيه الإنسان بأشعة الشمس وبعض المناظر الطبيعية ..

في الحقيقة أتساءل كيف قام المصريين بثورة يملأها كل هذا الخيال وقد نشأنا في صناديق القمامة هذه ؟ ... لدي إجابة بسيطة على هذا التساؤل تكمن في الإعلام وما ينقله عن الشاطئ الآخر للأطلسي أو المتوسط حيث نقيض كل مانفعله أو نتفنن في فعله من تعذيب أنفسنا وتبذير أموالنا على هذا الهراء ..



منزل أمريكي مصنوع بالكامل من الخشب


أحد شواع كاليفورنيا





في اعتقادي أن هذا الفرق في العمارة وتخطيط المدن هو سبب تفوق الغرب علينا في نواحي كثيرة .. بالتأكيد لديهم عمائر قبيحة نشاهدها أيضا في الأفلام لكنها لفقرائهم أما في مصر فنحن نعشق إنفاق مليون جنيه في شراء منزل من خمس طوابق على واجهة واحدة في شارع عرضه 6 متر لا تستطيع سيارة المطافئ أو الإسعاف أن تدخله ..
المسألة ليست متعلقة  بالفقر والغنى .. إنها مسألة خيال .. فقر خيال نعاني منه بدرجة تجعل الانتقال إلى إحدى المدن الجديدة والحصول على منزل واسع بحديقة ومساحات واسعة لركن السيارة أمر صعب على أنفسنا ..
فقر الخيال في الحكومات التي تفنن في إدارة وتخطيط المدن بعشوائية شديدة وغباء مطلق في جعل حياة الناس كئبة وحزينة ..


********************


مقطع من كتاب نشأة الروح القومية المصرية  يتحدث عن إنجازات الخديو اسماعيل في تخطيط وبناء مينة القاهرة على الطراز الغربي(1)

في الحقيقة أتألم كثيرا فنحن لم نحافظ على هويتنا المعمارية ولم نقلد الغرب في معمارهم بل استخدمنا الطفرة الحادثة في مواد البناء واساليب التشييد في جعل حياتنا أكثر كآبة وظلام ..

 هكذا كنا في الماضي

صورة التقطها بموبايلي في إحدى المظاهرات بمدينة الزقازيق


مصر تملك الإمكانت المادية اللازمة للنهضة لكنها لا تملك الإرادة لتكون دولة رفاهية ينعم أبناءها بالجمال وهذا الموضوع لاينطبق على المعمار فقط لكنه مثال لما يحدث في الاقتصاد والسياسة وكل أنواع الفشل المصري ..
------------------------------------------------------------------------------
(1)  طبقا لهذا النص فإن المقصود بهذه الجزيرة هي بولاق الدكرور حيث تكون تسميتها الأصلية  "بو لاك دو كير Beau ac du caire" بالفرنسية

Followers

Featured Posts