تشارلي - هناك قطة بالداخل



بأسلوب لا يتنافى مع هذه الكلمات وبلغة إنجليزية بسيطة تذكرني بتلعثمي في اختباراتي الشفهية في المجلس الثقافي البريطاني عبرت تشارلي عن أنها فقط تحب الحفلات وتجد اللحظات ذات القيمة هي التي تنفقها في الحفلات حيث يمكنها أن تقابل شخص تقع في غرامه أو تكتفي بالهروب من مشاكل الحياة.

لكن الأمر ليس هكذا على مايبدو ليس بهذه البساطة؛ عندما تطيل الاستماع إلى ما أنتجته تشارلي من موسيقى تعلم أن الأمر ليس تقليديا مثله مثل ما عند أي شخص آخر, هناك قطة تتعذب في الداخل وعندما تقترب منها سوف تستمع إليها وهي تهمس إليك في رجاء وحنان "it's charli.. it's charli ,baby". ربما تستطيع تشارلي القاء كومة من السباب في أغنية واحدة لكن هذا لا ينفي ضعفها وهشاشتها من الداخل عندما تقول "I touch myself and then I'm not alone".



**************






بينما كنت أؤدي واجب الخدمة العسكرية -كضابط احتياط له استثناءات أمنية في حمل هاتف ذكي أثناء الخدمة- في السنتين الماضيتين كان لدي يقين أنني أحتاج لشئ يسجل هذه اللحظات. أريد أن أتذكرها بقدر ما ألعنها طوال الوقت, حدثت هذه الصدفة السعيدة حيث قادني فضولي للبحث عن هذه المغنية التي غنت الأغنية الرئيسية لفيلم "The Fault In Our Stars" في البداية ظننت أنها تايلور سويفت حيث كانت أقرب صوتا لها في هذه الأغنية "Boom Clap" لكن مزيد من البحث والتدقيق قادني إلى هذه القطة البريطانية التي يمثل الكحول واضطرابات النوم جزء محوري في حياتها.. تدعى Charli XCX وإسمها الحقيقي شارلويت, أمها ذات أصول غجرية تتبدى في ملامحها القريبة من قلوبنا كشرق أوسطيين نعرف من أين تؤكل الكتف..

غنت تشارلي لأضواء المدينة كما لم يفعل أحد أمام أذناي وفي أحلك الأوقات ظلمة كانت كلماتها تضئ لي نورا في نهاية النفق. مع كل التعنت والحرمان من أبسط المتع المدنية أثناء خدمتي العسكرية كانت هناك تشارلي تعدني أن أضواء المدينة سوف تستطع لأجلي وربما لأجلي وحدي فقط وربما بعدها استطيع القول بكل أريحية "I can die tonight" ..

تذكرت كلماتها هذه بينما كانت الحافلة تعبر شارع بورسعيد بعد أن أنجزت جولة من الدوران حول مركز الأرض الموجود في مكان ما بين أحياء الجمالية وباب الشعرية والعتبة بعد أن مضى خمسة أشهرعلى رجوعي لصفوف المدنيين الكادحين وإصراري على الاكتفاء براتب الحكومة في مواجهة متطلبات التواجد محاطا بأضواء المدينة.

ربما لم يكن هذا ما توقعته لكن الأكيد أيضا أن هذا لم يكن ماتعنيه تشارلي أيضا. 

شاهدت حركة تداول كثيفة للبضائع الجيدة التي نتندر بوجودها في الأقاليم تخرج من قلب هذه الأحياء الفقيرة ويحملها عمال معدمون يعدهم أحدهم -أو لا يعدهم- بغد مشرق سوف يأتي بعد إتمام بناء الكابيتول؛ تذكرتها وأنا أرى الدورة المؤلمة للأضواء وماذا تحمله البضائع الفاخرة من عرق عمال لا يستطيعون اقتنائها لكن تعاستهم لن تمنعنا من التباهي بها عندما تحملنا أقدارنا إلى القدرة على شرائها..



لكن تشارلي لا تعتني بهذا الهراء اليساري تشارلي تشعر بالضجر وتريد أن تتسكع في أنحاء المدينة وأن تغمرها أضواء المدينة وأن تنفق الأموال في شراء أغراضها التافهة التي ستتباهى بها في حفلتها القادمة وربما تُسرق منها إذا ما استغرقت في شرب الكحول.


************





تعاني تشارلي من إضطراب عصبي نادر يجعلها ترى ألوانا عندما تستمع إلى الموسيقى؛ فقد ترى الموسيقى الحزينة بلون أزرق داكن مثلا والموسيقى التقليدية بلون أخضر مثل روث الحيوانات الطازج.. تشارلي تحب الموسيقى التي تجعلها ترى اللون الأسود أو القرمزي أو الأحمر ؛ لذلك تشارلي قادرة أكثر من أي شخص آخر على معرفة الموسيقى التي تعبر لأقصى درجة عما بداخلها  وتعلم جيدا ماذا تريد من المستمع أن يشعر عندما تصطدم موسيقاها بأذنه.



ربما لم تغن تشارلي للمخاوف الوجودية للإنسان وربما لم تثر مدامعي مثلما استطاع كندريك لامار في أغنيته الأخيرة "pray for me" لكنها فعلت بذوقها الموسيقي النادر وقدرتها الحاسمة على إيصال الرسالة التي تريدها وخلق الذكرى التي يجب أن تتذكرها وسحق جميع اهتماماتك أمام موسيقاها الصاخبة مالم يفعله كثيرون وما يجعلني أن نجاح الجميع كان صدفة ونجاحها -أو على الأقل وقوعي في غرام موسيقاها- كان حتمي.

Followers

Featured Posts