تنمية الريف المصري



في الفترة الأخيرة –تتراوح بين ستين وثلاثين سنة تقريبا- يكثر الكلام عن تطوير الريف المصري والرغبة في عكس عملية الهجرة من الريف إلى المدن وكأن الأولوية هي الرغبة في إبقاء المدن غير مزدحمة. وهذا فكر قاصر تماما.
المجتمعات البشرية كلها تتجه للتمدن والانتقال لعادات وتقاليد المدينة باتطراد والسير عكس هذه العملية مثل الحرث في الماء.
يقول أغلب المخططين أن علينا أن ندخل خدمات المدينة إلى الريف حتى نوقف تيارات الهجرة هذه إلى المدينة بنفس النظرة القاصرة. ولمن لا يعلم فإن نقل الخدمات المدنية إلى الريف مثل الصرف الصحي والغاز الطبيعي يقلل الهجرة إلى المدينة بالفعل ولكنه أيضا يؤدي لزيادة معدلات المبناء على الأرض الزراعية التي تطعمنا ويتم بيعها بأسعار رخيصة مقارنة بأسعار الأراضي في المدن. وهكذا تنشا في الريف طبقات سكانية جديدة محسوبة على الريف ولا تعمل بأي من أنشطة الريف. وأنا بنفسي أشاهد الأجيال الجديدة من أبناء الريف المصري وقد حصلوا على شهادات عالية في الطب والصيدلة والحقوق والتجارة والآداب ووجودهم في الريف عبئ على الأرض الزراعية حيث أن أول حل لديهم لإقامة منزل هو تبوير قطعة أرض والبناء عليها أو عندما يحتاجون إلى أموال سائلة يقومون ببيع قطعة أرض زراعية بأسعار عالية لمن سيقوم بتبويرها والبناء عليها.
الخلاصة ان حماية الرقعة الزراعية في مصر تقتضي تخفيض عدد سكان الريف إلى أقل من النصف وتحول مصر إلى الصناعة لاستيعاب الطاقة السكانية الفائضة عند الريف المصري بدلا من مد خطوط الصرف الصحي والغاز الطبيعي إلى الريف.
هذا ليس كل الحلول. فأنا أرى أن اتاحة الأراضي في المدن الجديدة والصحراوية وتيسير المرافق والأعمال الإدارية المتعلقة بتعمير المدن الجديدة هو الخطة الأولى لخلخلة هذا الفائض السكاني في الريف بدلا من تركه ينهش في الرقعة الزراعية المحدودة.
بعد هذا وقبله يجب أن يكون الاهتمام بالريف مبني على وظيفته الأساسية وهي الزراعة وتصنيع الغذاء –وهذا موضوع عميق جدا ومشعب ولا يمكن الحديث عنه في سطرين مختصرين لمجرد جعل المقال أكبر قليلا- وهذا بدوره سيؤدي لطفرة مادية لدى الفلاحين والمزارعين وهو ماسييسر عليهم الحصول على المرافق والخدمات المدنية في الريف آجلا أو عاجلا.

ثورتنا علمانية

أقول أن ثورتنا علمانية. نعم. ثورة يناير ثورة علمانية. فقد رفعت شعارات علمانية لا يستطيع دين أن يحتكرها وهي العيش والحرية والعدالة الإجتماعية ;رفعها المسلم والمسيحي الملتزم والمتحرر في مواجهة نظام يصف نفسه أيضا بالعلمانية ولم تكن علمانيته بأي شكل موضع نقاش أو اعتراض من التيار الرئيسي الفاعل في المجتمع ;  اللهم إلا استخدامها كذريعة لانتهاك حقوق الإنسان مع ابناء الجماعات الدينية المتطرفة.
وفي المقابل لم ترفع ثورة يناير أي مطالب دينية تتعلق بتمييز دين الأغلبية أو تطبيق شريعته ولم يكن ذلك مطلبا معلنا من الأساس بل كانت المطالب المتعلقة بالدين لا تتعدى مطالبة برفع سقف حرية الدعوة الدينة وعم التعرض لها أمنيا.

ثم جاء التيار الديني واستولى على الحكم ورفع شعارات من قبيل " مصر إسلامية" و "الإسلام هو الحل" وأنه هو من قام بالثورة وحده وأن ثورته –كما يدعي- إسلامية واستخدم في ذلك آلة إعلامية ضخمة لنشر هذه الأفكار وحول المساجد إلى منابر إعلامية رخيصة لتأييد هذه الأفكار.
هذا النظام المتستر بالدين أيضا استخدم العلمانية كفزاعة في مواجهة أعداء الداخل واستخدم علمانيي الداخل في مواجهة ضغوط الخارج!
ثم جاءت ثورة الثلاثين من يوليو لتؤكد لمن لا يستطيع الفهم أن سابقتها في يناير كانت علمانية في مواجهة نظام علماني فاسد وفاشل في مناحي الحياة ولم تجد وسيلة للتعبير عن ذلك سوى عقد تحالفات مع النظام الذي ثارت عليه من قبل. ورفعت في ذلك شعارات علمانية صريحة وكانت بمثابة عقد اجتماعي جديد بعد أن ثبت أن هناك ثغرة في العقد الذي تم كتابته في يناير 2011
; ضمنيا أقصد بالتأكيد.
وكأننا أمام مشهد درامي يضطر فيه المؤلف لعقد تحالفات بين أعداء الامس لتوضيح فكرة أو قيمة معينة.

لا أعرف لماذا الآن يتم التغاضي والتواطؤ ضد وضع علمانية الدولة كنص في الدستور المزمع كتابته رغم كل ما ذكرته ويذكره غيري. ولا أعرف ماذا يكفي اكثر من ذلك لإقناع من لا يقتنع. ولا أعرف معنى لمطاردة جماعة سقطت من الحكم وكرهها شعب بأكمله في أقل من عام وعدم التصدي لأيديولوجيتها الفاسدة في وثيقة الدستور التي نكتبها تأسيسا لجمهورية جديدة.

علمانية الدولة المصرية كانت وستظل مفتاح نهضتها والإقرار بها مفتاح لنيل المواطن كثير من حقوقه وسبيل للإعتراف بأقليات أخرى غير الأقليات الدينية مثل الأقليات العرقية والثقافية ..
علمانية الدولة المصرية دائما اقترنت بنهضتها بدءا من محمد علي وانتهاءا بجمال عبد الناصر.
إنني أطرح العلمانية كحل لمعظم مشاكلنا اليومية وكمنطق لإدارة الدولة وكبداية للتفرغ للمشاكل الأكثر إلحاحا من التساؤل عن جواز تهنئة الأقباط في أعيادهم!

عن علمانية الدولة وعلمانية المجتمع

أشعر بأن الأرض الآن اكثر ثباتا تحت قدمي وأنا أتكلم عن العلمانية كمواطن مصري. كما شعرت بكل نرجسية انني من هؤلاء الذين صنعوا انتفاضة 30 يونيو ضد الحكم الإخواني رغم أن مشاركتي في الحياة العامة تكاد تكون مقتصرة على الكلام على مواقع التواصل الاجتماعي ..
الآن لدي الرغبة للحديث مرارا وتكرارا عن العلمانية ومن موضع قوة وبكل ثقة ومن نفس المنبر الذي تحدثت منه سابقا..

 كاريكاتير بجريدة النيويورك تايمز للرئيس المعزول مرسي وهو يقول أن الفرق بينه وبين نظام مبارك أنه ليس علمانيا. 

أحد الأسئلة التي طرحت علي عن العلمانية كانت : ما الفارق بين علمانية الدولة وعلمانية المجتمع؟
ربما يبدو السؤال معقد للبعض لكن الحقيقة غير ذلك.
الإجابة على هذا السؤال يجب أن تبدأ بتوضيح الفارق بين الدولة والمجتمع.. الدولة والإنسان.. الآلة والإنسان.
إذن فالدولة هي مجرد آداة اخترعها الإنسان لتسيير حياة المجتمعات البشرية, بالطبع تتمثل الدولة في هيئة شخوص لكنها في النهاية آلة مثلها مثل السيارة مثل الطائرة مثل القطار.
أما المجتمع فهو مجموعة أفراد -وأنا هنا أحب أن اتكلم من منظور فردانية الإنسان- ولكل إنسان افكار ومعتقدات وعبادات وعادات.
فلا يمكن المساواة بين الشئ والإنسان. الإنسان هو من صنع الدولة لتخدمه وتيسر عليه حياته. والدولة -متمثلة في شخوصها- يجب أن تلتزم بالحيادية تجاه أفراد المجتمع وتحترم فردانيتهم من حيث المعتقد والفكر والطباع والإنسانية ككل.
إذا فعلمانية الدولة تعني حيادها تجاه الأفراد معتقداتهم واحترامها لحرية العقيدة بشكل كلي أو ما اتفق عليه من تعريف بأنها فصل الدين عن الدولة.
اما علمانية المجتمع فهي موضوع مختلف تماما.
علمانية المجتمع لا تعني أن يؤمن أفراد المجتمع بفصل الدين عن الدولة فالعلمانية هنا صفة سياسية بحتة
علمانية المجتمع بنظري هي نوع من الإنغماس في الحياة المادية والتخلي عن الدين كدافع شخصي في حياة الإنسان. ويعد هذا من قبيل ترشيد التدين. فالحياة الشخصية مليئة بالكثير الذي قد يتعارض مع الدين الذي يؤمن به الإنسان. فيضطر الإنسان -او قد يختار بإرادته ولراحته- أن يفصل بين معتقده وعقيدته الدينية وحياته الخاصة بمجرد أن يخرج من دار العبادة. أو أن يمارس حياته اليومية على أساس نفعي يخلو من الرحمة التي أمرت بها الأديان ثم يتلو صلواته قبل النوم ..

الربا -مثلا- محرم في الاديان السماوية الثلاثة; فإذا افترضنا ان الدولة تملك بنوكا تعمل بالربا -لا أقصد الفوائد فالفوائد ليست ربا- فهذا يعد فصلا للدين عن الدولة تتم ممارسته بواسطة الدولة إذن هذا يعتبر علمانية دولة.
اما إذا رأينا مجتمع يعمل أفراده بالربا بدون أي تدخل أو توجيه أو تسهيل من الدولة فهذا فصل للدين عن الحياة الشخصية يتم ممارسته بواسطة المجتمع -أفراده- فهذا يعتبر علمانية مجتمع.

بقي أن أقول أن العلمانية  - سواء علمانية الدولة أو المجتمع- لا تعني بالضرورة خرق الشرائع الدينية بالضرورة أو فعل ما تنهى عنه الاديان فهذا اتهام ثقيل والإنسان بطبعه خطاء من قبل ظهور الاديان ومن قبل ظهور العلمانية كفكرة من الأساس.
لكن العلمانية تعني التحرر من سلطة وسطوة رجال الدين في وجه والتحرر من التقييدات الدينية الشديدة والتي فرضت على الإنسان من آلاف السنين في وجه آخر; والمجتمعات البشرية كما نعلم تطورت وأصبحت أكثر تعقيدا ولم يعد ممكن بأي منطق الالتزام بالتصور الديني للدولة كما نزلت به الاديان من آلاف السنين.
 وأنا هنا لي تدوينة عن التصور الديني للدولة أو أنه ليس هناك من الأساس تصور ديني للدولة بعنوان : رأي بسيط في الحاكمية.

أما عن رأيي وميولي الشخصية فأنا بالتأكيد مع علمانية الدولة ولست مع علمانية المجتمع أو ضدها أحيانا.

حتى لا تتكرر المأساة

يصف جمال حمدان الاحزاب الدينية بالعصابات الطائفية التي هي " مافيا الاسلام" ويشترط لتقدم مصر والعرب والعالم الاسلامي "شنق اخر الجماعات الاسلامية بأمعاء اخر اسرائيلي في فلسطين."
أنا لا أريد أن أورط اسم الرجل في دعوة لقتل أو حملة اغتيالات أو غيره لا سمح الله.. في قلبي من الغل ما يغنيني عن التذرع بقولة هذا الرجل من الأساس . لكني أريد أن ننتهي من هذا السرطان الذي نهش جسد الأمة طوال ثمانين عاما.. هذه الجماعة والجماعات التي تأسست على أثرها وتولدت منها حتى يومنا هذا ..
كيف ؟ الأزمة في رأيي ورأي الكثيرين ان هذه الجماعات ماكانت لتنشأ إلا في وجود الاستعمار الغربي وماكانت لتنمو إلا في وجود الفقر والجهل والظلم وما كانت لتصل للحكم وتتمكن إلا بدعم من الغرب والصهاينة .


هل يكفي العمل على مكافحة الظروف التي أدت لنشأتها ونموها وتمكنها؟ لا أعتقد.. فركوبهم على ثورة يناير 2011 وآمالنا الخائبة طوال عامين ونصف مضوا ليسوا إلا براهين على سذاجة تلك النظرة فقد أحبط الإخوان وأعوانهم كل محاولة لنشر التنوير بين الشعب بأساليبهم المعتادة . هذا الفعل مطلوب لكن ليس بمفرده.
يجب اتخاذا إجراءات عملية وعلنية وصريحة لمنع قيام جماعات سرية أو جماعات دينية تعمل بالسياسة أو أحزاب سياسية تتبنى أيديولوجيات لها علاقة بالأديان. ويجب تغليظ العقوبة على من يستخدم الدين للدعاية السياسية أو للتشهير السياسي أو من يستخدم دور العبادة للعمل العام.


يجب البدء فورا ومن الآن في إصلاح الخطاب الديني وإصلاح الصورة النمطية للإسلام في أذهان المسلمين أنفسهم. يجب أعادة قراءة والتعامل مع الإسلام كدين علماني ولا يتعارض مع علمانية الدولة وفي هذا الباب كتب وتكلم أئمة عظام أذكر منهم الشيخ أمين الخولي والأستاذ جمال البنا واستقاء مبادئ العلمانية من المتنورين في التاريخ الإسلامي مثل أبي حنيفة وابن رشد .. الخ

ويجب كذلك إعادة نشر أفكار ضحايا الإرهاب ومثقفي االتيار العلماني المصري الذي لا يخشى أن يصف نفسه بالعلمانية أمام مجتمع متحفظ أو واقع تحت سيطرة الظلاميين وأخص بالذكر شهيد الكلمة دكتور فرج فودة الرجل الذي دفع حياته ثمنا للحقيقة أو الدكتور نصر حامد أبو زيد وغيرهم..

نحن أمة لا تقرأ وحتى تأتي أجيال تقرأ وتتغذى على الكتب يجب اعطاء دفعة قوية للحركة الفنية والثقافية في مصر مثل تقديم الدعم المادي أو دعم الفنون الشعبية ونشر وتسجيل جرائم الجماعات الإسلامية بشكل فني حتى لا نفقد الذاكرة كما فقدناها من قبل ..

باختصار يجب أن ننمي مجتمعنا ونعطيه المنشطات والمضادات الحيوية اللازمة للتغلب على هذا الميكروب القاتل..  ويجب أن نعلم أنه سيكون هناك ضحايا وهناك إخلالا بما ناضلنا من أجله من مبادئ لكن درء الفتنة يستلزم القوة والحزم وليسامحنا الله

-----------------------------------------
تحديث بتاريخ 11/7/2013:

*هذه الورقة ليست برنامج انتخابي لكنها استراتيجية مقترحة غير محدودة بزمن للتنفيذ.
* فكرت كثيرا أن أذيل هذه التدوينة بمأثورة الفنان الصحفي المناضل مجدي حسين "يجب ان نقسم بالله أن يظل كل ما نقرأه في هذه المدونة سري ولا يخرج من بيننا ~ بتصرف" لكن لم يمنعني سوى رغبتي بأن تحقق هذه التدوينة عدد معقول من المشاهدات يكفي لرفع معنوياتي المنخفضة للغاية; لذلك لا تبخل بمشاركة تدويناتي على مواقع التواصل الاجتماعي يا صديقي .

ملحوظتين على هامش الأزمة


"قبل المغرب سبنا السلاح.. وقعدنا نجهز فى الفطار وبدأنا ناكل وبعد 5 دقائق من الأذان.. ودخلوا علينا وإحنا بناكل وأطلقوا علينا الرصاص بكثافة.. دول خدونا على خوانة.. خدونا على خوانة.. قال ولم يتوقف عن البكاء وهو يقول: «كل زمايلى راحوا قدام عينى». "


هكذا كانت شهادة الناجي الوحيد من مذبحة رفح في رمضان الماضي .. جندي يشتكي من ان المعتدين يجب أن يعطوا إنذارا قبل الهجوم !!!

هل هذا هو مفهوم المجند لفكرة الجاهزية والاستعدادية العسكرية ؟

منذ عدة أيام ذهبت لتوصيل زيارة لأحد الأصدقاء الذي بدأ لتوه في قضاء خدمته العسكرية الإجبارية كانت الزيارة في أغلبها عبارة عن مأكولات ومخبوزات و"إندومي" .. جلست يوما كامل أتندر على هذا الجيش الذي يأكل مجنديه "الإندومي" !!

في اعتقادي ان فكرة التجنيد الإجباري فكرة فاشلة وبدون الدخول في خلاف وجدال الحقوق والحريات وورأيي معروف في هذا الشأن ؛ لكن ما أقصده بفشل التجنيد الإجباري هو انه يجلب الميوعة والحياة اللينة المدنية لمعسكرات الجيش وأن المواطن المدني - مثلي- الذي يقضي فترة تجنيده الإجباري ليس إلا عبء على المؤسسة العسكرية وأنه مثله مثل أي مدني لا يبحث عن شئ سوى الراحة .. فهل من يبحث عن الراحة سيكون هو الشخص الملائم ليوضع في وحدة عسكرية على الحدود مع اسرائيل أو في منطقة بها نشاط إرهابي متوغل ؟

  إلا إذا كان الغرض من التجنيد التشغيل في مجالات غير عسكرية مثل بناء الكباري والمدارس لصالح الدولة او العمل في جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بأجر زهيد .. أعتقد حينها أن ملايين الشباب العاطل أولى بهذه الوظائف وبأجور حقيقية من قواته المسلحة التي لا تتوانى خدمة الوطن في كل المجالات ..
********************* 

نفس الأمر يتكرر في حادث اختطاف الجنود المصريين بواسطة جماعات إرهابية في سيناء .. لكن لي ملاحظة أخرى بخصوص العمليات العسكرية في مصر – وهي في الحقيقة تنطبق على أي مؤسسة وأي مجال في مصر – هذه الملاحظة تكمن في التراخي وقلة الخبرة والجاهزية على مستوى القواعد سواء .. فمثلا قليلا ما نسمع عن مجند عسكري استطاع بنفسه التصدي لعملية إرهابية أو ما شابه .. أو ضابط شرطة استطاع بمفرده مداهمة وامساك مجرم ما ..

دائما يجب أن نصنع جلبة ونرهق أكبر عدد من البشر من أجل إتمام مهمة بنجاح .. قائد الجيش الثاني الميداني يباشر بنفسه عملية تحرير الجنود المختطفين .. أراهن أن هذه الحادثة في دول أخرى كان ليشرف عليها عليها قائد الوحدة التي ينتمي إليها الجنود المختطفين !

نفس الامر يتكرر في كل المجالات ؛ الكفاءات الفردية قليلة في مصر ومتمركزة في أماكن محدودة تتحمل كل العبء كل الوقت وهذا لا سبب له إلا ضعف التعليم والتدريب والحافز الشخصي ..

عن سوريا ومصر وصديقي داروين

1

لم يكن يتخيل أحد أن الثورة السورية ستنتهي بالجلوس على طاولة المفاوضات مع بشار الأسد او أحد ممثليه والتفكير في طرح أسم خنزير سمين مثل وليد المعلم كرئيس وزراء لفترة انتقالية .. حتى أنا لم أتصور ذلك وتوقفت عن متابعة الثورة السورية وقل حماسي تجاه المقاتلين المعارضون لحكم بشار ..


2
طوال الفترة الأخيرة وبعد أن اتضح لي سيطرة المعارضة "الإسلامية" /"السنية" / "الجهادية" على مقتضيات الأمور وزمام المبادرة بدأت أشعر بنفس الحيرة التي واجهناها من فترة ليست ببعيدة عندما اضطررنا لاختيار بين مرسي مرشح الجماعة الفاشية وشفيق مرشح الحزب المنحل والفاشي أيضا ..
ربما هذه المرة لم يكن لدي الرغبة في الاختيار -النفسي والفكري حيث أن رأيي لا يمثل أي قيمة للواقع لكنها اشكالية فلسفية في رأسي كان يجب معي التعامل معها- هل أتخلى عن حلم ودعم الثورة السورية المطالبة بالديمقراطية والحرية وأدعم بشار الأسد أو أتغاضي عن سفكه للدماء بحجة الحفاظ على وحدة سوريا وليس مجرد مدنيتها ؟..  أم أدعم الثورة وقد أصبحت ثورة إسلامية سنية في مواجهة بشار بوصفه رئيس شيعي علوي وقد بايعت جبهة النصرة التنظيم الإسلامي المسلح في سوريا أيمن الظواهري على الإمارة !!!

3
لست قارئا متعمقا في الداروينية كفلسفة اجتماعية وسياسية يمكن استخدامها كمنهج للتطبيق سياسيا أو لتفسير الظواهر الاجتماية والسياسية لكني قادر على القول بأن تسليح الثورة السورية نقل الصراع بين المعارضة التي كان يرأسها أستاذ جامعي -أذكر أنه ماركسي- من خانة الصراع الأفلاطوني الأخلاقي والشرعي والإنساني في سبيل العدل والحق إلى صراع دارويني يتم فيه التسابق في التسليح وانتهاج العنف كآداة لإنهاء الصراع بالضربة القاضية تحت شعار "البقاء للأقوى" وليس "البقاء للمبادئ والخير.."..

4
باعتقادي أن المعارضين المسلحين عندما قرروا استخدام السلاح وخصوصا السلاح الطائفي الهجومي قد ارتضوا بهذه اللعبة الداروينية في عملية أشبه بالمقامرة العظمى بمستقبل سوريا وثورتها..
وباعتقادي أيضا أن صمت العالم الغربي طوال هذه المده كان نابعا من إيمانهم بهذا المبدأ "البقاء للأقوى" هكذا تعاملوا مع مبارك لولا اتصالات ومشاورات الأطراف المصرية مع الأمريكان مبكرا جدا أثناء الثورة وهكذا تعاملوا مع ثورة اليمن وهكذا تعاملوا مع زين العابدين بن علي في تونس ..
الأقوى هو الأقدر على البقاء وفرض النظام .. الغرب بهذا في حل من دعم أي حركة تنادي بالعدل والحق والحرية ..

5
في مصر وتونس وهما ثورتان سلميتان بنسبة كبيرة جدا كان الانتصار -ولو قصير المدى- من حظ الثوار فقد تم الإطاحة برؤوس النظام واحلال نظام جديد -ستتم الثورة ضده لاحقا لكن هذا ليس موضوعنا- .. قارن بين هذا وبين ليبيا وسوريا .. في ليبيا دعم الغرب اللثوار مبكرا اعتمادا على تفاهمات بشان مستقبل النفط الليبي وقدرته على تسديد فاتورة الإطاحة بالقذافي باستخدام الآلة العسكرية الغربية .. وفي سوريا حيث لا نفط هناك صمت عالمي وتقاعس عن تكرار السيناريو الليبي برغم تشابه الظروف السياسية ; في اعتقادي الأمر ليس له علاقة باسرائيل بالشكل الذي يطرحه البعض بأن نظام بشار داعم لإسرائيل من الباطن .. الأمر الذي يجلعنا نفكر بطريقة رياضية بحتة بأن احتمال نجاح ثورة مسلحة هو مثل فشلها 50%-50% 

6
يروى في أهوال يوم القيامة أن البشر سينادون ربهم يوم القيامة أن يصرفهم ولو إلى النار من شدة وهول هذا اليوم وحسابه العسير .. هذا العجز عن الإجابة هو الذي يدفعني لتبني الطرح الدارويني للتعامل مع الأزمة السورية .. سننتظر النتائج ونحاول تعديلها والتعامل معها ولن نتبرع بدعم احد ضد احد فالجميع سفاحون طائفيون محودي العقل والفهم ..

7
لأجل هذا أيضا حزننا على شاب مثل محمد محرز انساق وراء دعوات الجهاد في سوريا ضد بشار وذهب ليلقى حتفه برصاصة في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل .. محرز أثار موجة من المناقشات والجدل بعد مقتله اضطررنا فيها -كالعادة- لتقبل العنف اللفظي أو الحجر -بشكل ضمني- على رأي من استغرب ذهاب هذا المصري للقتال في حرب أهلية -نعم أصبحت كذلك- في دولة أخرى ; وقد كشفت محادثاته مع احد أصدقائه على الفيسبوك عن سطحية شديدة وذكورية وما يمكن أن نسميه ملمحا داروينيا في التعامل مع الأمور ومنطقتها .. 
8
ولأجل هذا كان لدينا كل الحق عندما نادينا بسلمية الثورة وبعدم الانسياق وراء هواة الاشتباك ومدمني الأدرينالين وعندما رفعنا صور غاندي وأقواله وتداولنا مصطلح اللاعنف كطريقة للتعبير عن مطالبنا وغضبنا ..
كان لدينا الحق عندما كنا سلميين وخسرنا كثيرا عندما تخلينا عن سلميتنا وعندما التففنا حول من انتهك السلمية في مواجهة السلطة وعندما عمقنا الخلاف بين الثورة والسلطة الجديدة -العسكر أقصد- وانجررنا لمعارك لم نخرج منها أي شئ إلا بأرقام من الشهداء وتسليم متسرع للسلطة لجماعة فاشية أخرى ..

عودوا إلى مصحاتكم

1

يقول لي في لهجة ثقة : وما ادراك ان مايفعله مرسي ليس في مصلحة البلاد ؟ إن مرسي يعرف اكثر مني ومنك بكثير وهو رجل تقي يخاف الله ويقوم الليل يبكي من شدة المسؤولية وانت تسخر منه ؟.. 

2

هل تعلم ان مرسي هرب من سجن الصخرة قبل شون كونري بعدة سنوات وان هروبه من سجن وادي النطرون كان مجرد حفلة اعتزال ضخمة انتقل بعدها لنشاط جديد تماما وهو نشاط "السجان" السجان السخيف الذي ليس لديه أي تساؤل تجاه ما يطلبه منه رؤساؤه وليس لديه أي نوع من الكرامة يستطيع إبداءه تجاه أي من رؤسائه أو الاحترام تجاه شعبه بل هو المهرج ثقيل الظل الذي يتسبب في تلف الحيوانات المنوية بداخل أنابيبها .. 
3
في اعتقادي ومما أصر عليه أن التاريخ يصنعه المرضى النفسيون .. انظر إلى خطب موسيليني وإلى تلاعبه بتعابير وجهه -مثلما أفعل أمام المرآه في الحمام كل صباح- لتعرف كم الميجالومانيا التي يعاني منها هذا الرجل .. نفس الشئ كان يفعله هتلر بإتقان وصدق اكثر -لاحظ أن المريض النفسي في الاساس هو من يصدق تماما هذه الهواجس التي تأتيه ويظهرها علينا على انها حقائق وإنه إن لم يصدق نفسه تماما لانتقل من خانة المرضى النفسيين إلى خانة النصابين مثل شلة الحزب الوطني الديمقراطي- أو مثل القذافي الذي ظل متشبثا بهرطقته حتى آخر لحظة في حياته ودفع شعب ليبيا من دمائه ثمن مرضه النفسي .. 
4
مرسي يصدِق نفسه في كل الهراء الذي يقوله وتقوله جماعته و"خيرته" لدرجة مرضية والجماعة ومرسي لديهم جيش من الاتباع والمعجبين والمبرراتيه يصدقون ما يقولونه بدرجة أكثر مرضا .. تصديق لا يقبل فكرة المناقشة أو المراجعة أو الخضوع للمنطق أو لأي أسلوب تحليلي أو نقدي للخطاب أو للأفكار -الأيديولوجيات- ويمكن على هذا الأساس ان تقنع هذا الجيش بترديد أي شئ مهما بلغت درجة بلاهته مثل أن يقولوا أن جبهة الانقاذ تحرق حقول القمح حتى يشوهوا صورة الرئيس مرسي او أن هشام قنديل رئيس حكومة كفء للغاية ومرشح للاحتراف في سويسرا كرئيس حكومة معار ..
5
لا أعلم كيف يسمح احدهم لأحدهم بابتزازه أيديولوجيا أو عقائديا للدرجة التي يبدو فيها الأول ساذج للغاية ومدعاة للشفقة أكثر من هذا الذي شوهد عاريا على كوبري اكتوبر .. هل حقا مرسي يرى اكثر من الشعب ومن معارضيه ؟ وهل حقا خيرت الشاطر يعرف كل شئ عن كل شئ كما يظن مرسي ؟ وهل فعلا هشام قنديل شخص ذو اهلية ؟ .. إنني أعتقد أن كل من يؤمن بهذه التفاهات هو شخص هارب من جلسات العلاج بالكهرباء ..
6

في اعتقادي وبعد تفكير طويل ان فعل الثورة يكتسب شرعيته من الصدق ومن دلالات الصدق المتضحة فيه .. فالثائر صادق في غضبه ورفضه للواقع وإصراره على مبادئه ومطالبه لدرجة انه مستعد أن يدفع الدماء أو روحه لاثبات ذلك والديكتاتور متمسك بسلطته وثروته لدرجة انه مستعد أن يقتل في سبيلهما من يقاومه .. واعتقد أن فعل الثورة هو يعطي دم الانسان قيمة مثلما تعطي الدماء للثورة قيمة الصدق .. وأن التقاء هذان العنصران هما اللذان يغيران التاريخ كل فترة في مصر .. 

7
إننا أمام حالة حرجة متكررة حدث عشرات المرات في مصر وفي العالم كله .. إما الثورة ضد الإخوان بكل ما تحمله الثورة من دماء وتضحيات وصدق .. والإخوان لا يستحقون أن نعاملهم بصدق أو بشئ من الصدق. وانا بصراحة شديدة مشفق على الشعب من هذا الخيار خاصة أنه غير مربح بأي صورة لذا أقترح إيداعهم -أو على الأقل قادتهم- جميعا إلى مصحات نفسية ليتمكنوا من استكمال جلسات العلاج بالكهرباء .

رحلتي مع رحلة المسيري


ربما هي المرة الأولى التي أكتب فيها معلقا على كتاب قرأته كتاب لم يصدر حديثا بل هو متاح على الأرفف منذ اثنا عشر عاما تقريبا .. لماذا .. ربما بسبب الضجة والصخب الفكري اللذان يرافقان إسم المسيري وأفكاره وتلاميذه والمتعلقين به وبشخصه وبأفكاره والذين هم وللحق شئ يفتخر به المسيري نفسه ومن كان له معجبون مثلهم .. ولم لا والرجل صاحب طرح وؤية جديدين في مواضيع متعددة وله إنجاز عظيم -الموسوعة- يعطيه الشرعية الادبية والأخلاقية للتحدث عن أي شي وكل شئ ..

بمجرد أن تجاوزت بضع عشرات الصفحات حتى أحسست أنني أجلس أمام أحد أصدقائي المعروف عنه تأثره وربما تتلمذه ب/على أفكار ومبادئ المسيري.. ربما معرفتي المسبقة بأنني قد اتأثر بشكل لا إرادي بالكتاب وقد امتدحه من أثق بهم ومن هم منغمسون بين الكتب والمكتبات أكثر مني بمراحل جعلتني استعصي واستدعي ذاتي الرافضة والناقدة طوال رحلتي مع الكتاب ومؤلفه ..
الرجل كتب سيرته الذاتية باحترافية شديدة  وبأسلوب جذاب خفيف الظل يتسلل إلى قلبك وعقلك بطرائفه ومواقفه ووصفه لشخصية كاتبه .. الأسلوب الذي تقرأه ويجعلك تقارن شخصك بشخص المؤلف وتتبضع من صفاته كما لو أنك تضيف البضائع إلى عربة التسوق أثناء تجولك في السوبر ماركت ؛ تعجبني هذه الصفة تعجبني هذه القافية يعجبني هذا التناقض تعجبني هذه اللازمة تعجبني هذه العقدة خفيفة الظل .. إلخ

لا أعلم لماذا هذا الرفض الشديد مني ألا أقبل أي من أفكار هذا الرجل بالتحديد دون قراءتها والتأمل فيها ومحاولة نقدها إن أمكن والاختلاف معها إن استطعت .. لعله رفض للتنمط الفكري والتسليم لرجل أعلم يقينا أنه يمثل وأسس لتيار كبير من المثقفين وربما اختلافي أو عدم فهمي لأتباعه أو استهجاني لهم أو عدم رغبة في أن أكون فردا مثل آخرين .. ولا أعتقد أن المسيري يرضى بأن يكون محبيه وتلاميذه صورة كربونية منه ..

ورغم كل ما أدعيه من تعنت وتعسف في قراءة سيرة الرجل إلا أنني لا أنكر اعجابي وتأثري واقتناعي ببعض أفكاره والتي تعتبر جديدة علي تماما -فأنا غير موغل في قراءة الفلسفة وكثيرا ما أهملت القراءة بشكل عام بسبب انشغالات الدراسة- مثل كلامه عن ثنائية الإنسان والطبيعة  ووهم اليوتوبيا وتفنيده للأفكار الصهيونية بطريقة عميقة للغاية -هي جوهر الموسوعة-  معتمدا على نماذجه التحليلية الثلاثة ؛العلمانية الشاملة والحلولية والجماعة الوظيفية .. بالإضافة لتفاعلي مع اطروحته عن المجتمع التراحمي والمجتمع التعاقدي وإن كنت شعرت بأنه يميل للمجتمع التراجمي وشعرت أنني -كإنسان- أستطيع ان اعيش بشكل أفضل في مجتمع تعاقدي بشكل أكثر مما نحن عليه الآن ولذلك شعرت باختلاف مع ميله للمجتمع التراحمي برغم هذا فالرجل عرض النموذجين بشفافية وأمانة مكنتني من تبني وجهة نظر مغايرة لرأي الكاتب  ..

بالإضافة لاتفاقي واختلافي مع الكاتب في آراءه وجدته يتحدث عن أمور كانت تشغل بالي قبل أن أقرأ الكتاب بسنوات مثل دعوة الرجل لابتكار أشكال جديدة من المرح واللهو والترفيه غير تلك التي تصدرها لنا وسائل الإعلام وأن الآلة الإعلامية هي التي تجعل من فعل ما فعل ترفيهي شيق أغلب الأحيان .. وكذلك حديثه عن المعمار والبناء والقبح الذي استغرقت فيه مصر بعد ثورة يوليو ومع توافد أموال النفط على مصر وحديثه عن العلاقة بين الدين والحضارة والفنون المعمارية وطرافة ما فعله في عمارته في مصر الجديدة والذي ولد بداخلي فضول شديد لرؤية منزله!! كذلك عن إعجابه بفكرة الاغتراب واعتبارها نزعة حسنة ويجب النظر لها بشكل إيجابي لا سلبي كما ينظر البعض ..

المسيري استغرق كثيرا وأسهب في شرح اطروحاته الفلسفية بشكل أرهقني كثيرا -وانا أصنف نفسي كمبتدئ دائما- خصوصا عندما تكلم عن المادة والروحانيات في نهاية الجزء الأول واستعمل الشعر الإنجليزي كأمثلة ؛ شعرت بملل شديد دفعني لتحاوز عدد من الصفحات -وتكرر نفس الأمر في مواضع اخرى- حتى وجدت نفسي أمام مقطع شديد التركيز وثمين القيمة وجديد على مسمعي عن سر اقتناع المسيري بالإسلام ..
وهي وجهة النظر التي أيدها -واقتنعت بها- برفضه لفكرة الحلول في الأشعار والأدبيات الصوفية ..


ما يهمني بشكل شخصي وهي قضيتي الفكرية الرئيسية في مرحلتي الحالية هو "العلمانية" ولعل كتاب المسيري عن العلمانية الجزئية والشاملة -الذي لم أقراه بعد ولا أعتقد أني سأفعل في القريب- هو الذي شجعني على التعرف إلى الرجل والأفكاره ..
بالطبع طرح المسيري عن العلمانية الشاملة والجزئية في سيرته الذاتية كان مقتضبا مقارنة بكتاب من جز~ين عن ذات الموضوع لكنه كاف لي لأنتقد وجهة نظر الرجل ولعلي لا أجد افضل مما كتبته على موقع تويتر بعد قراءتي لهذا الجزء من الكتاب ..

مما قرأته النهاردة من رحلة المسيري الفكرية.. المسيري يدعو لترشيد العلمنة "العلمانية" متناسيا عدم وجودها في عالمنا العربي من الأساس .
المسيري يلوم على المثقفين العرب منادتهم وتبنيهم للعلمانية الغربية بحذافيرها دون أي تعديل .. وكإننا يمكن أن نعدل شئ لم نمتلكه بعد ..

المسيري في عرضه الموجز لعلمانيته الجزئية في سيرته الذاتية يفتح الباب لتعريص الكثيرين في زمننا الحالي . حزب الوسط مثال صارخ على ذلك

هذا بالإضافة لما أراه خلطا بين علمانية الدولة وعلمانية الفرد وأن صكه للمصطلحين سيفتح الباب أمام فاشيات دينية للقول بأنها تطبق العلمانية الجزئية


رحم الله عبد الوهاب المسيري واسكنه فسيح جناته

-------------------------------------------------------------------------------
تحديث بتاريخ 29\4\2013 : بالامس قررت اتباع نصيجة المسيري بخصوص الجوارب واشتريت ثلاث أزواج من الجوارب من نفس اللون ولعلي شعرت بشئ من البهجة لأنها المرة الأولى تقريبا التي أطبق فيها شيءا قرأته في كتاب بهذا الوضوح منذ زمن بعيد ..

مالا تعلمه عن المدن الجامعية


صورة بانورامية من تصويري لمباني المدينة الجامعية بالزقازيق


بصرحة الموضوع ده مصدر الم وغصة بالنسبالي .. المدن الجامعية في مصر لا ترقى لمستوى مستعمرات الجزام!!
بمناسبة أزمة تسمم الطلبة في المدينة الجامعية بتاعت الأزهر احب أشارككم تجربتي المريرة مع المدن الجامعية بتاعت جامعة الزقازيق ..
دخلت كلية طب الزقازيق سنة 2006 ودخلت المدن الجامعية في شهر اكتوبر نفس السنة وقعدت فيها تلات سنين متفرقة طوال مدة دراستي

.. تصور إن المدينة كانت بتسكننا ستة في أوضة واحدة صغيرة وحمامات مشتركة قذرة ونصفها متعطل بسبب قدمها وعدم صيانتها ومياة بتقطع عنها بشكل عشوائي ومتكرر .. اذكر إني ياما قطعت عليا المياة وانا اقضي حاجتي واضطررت للانتظار أنصاف وآحاد الساعات..

الأكل في المدينة كان بمواعيد غبية وتسليم الوجبات بيتم بشكل شخصي يعني لازم تصحى الصبح عشان تستلم وجبة الفطار بتاعتك ولو ماستلمتهاش هتتحسب عليك غرامة!!

الأكل نفسه كان سئ الجودة للغاية وكان بيتم بنظام المناقصات يعني أسوأ حاجة في السوق أذكر منه الطرشي أو المخلل اللي ريحته العفنة بتخليني ماستغربش لما أسمع إن طلبة جامعة الأزهر اتسمموا بسبب المخلل ..

بالطبع عندنا حكاوي كتيرة كنا بنتوارثها من الدفعات الأكبر مننا عن الدود اللي بيلاقوه في الأرز والجبن المنتهية الصلاحية .. إلخ
النظام الموجود في المدن نفسه كان قذر وقمئ لأبعد الحدود .. يعني مثلا لحد قبل الثورة كانت كل الأوض بدون فيش كهربا –مفاتيح النور بس- يعني الطالب اللي معاه موبايل مايعرفش يشحنه إلا في المسجد او في المطعم تحت.واللي كان يتمسك عامل وصلة كهربا –بتتوصف بالغير شرعية!!- كان بيبقى يوم أمه طين واحتمال يتفصل لو الموصوع اتصعد للمديرين ..
تخيل إنك لحد النهاردة لازم تجيب تصريح عشان تدخل اوضتك اللابتوب أو الكمبيوتر بتاعك ؟!!
لست في حاجة للحديث عن عدم النظافة وقذارة الجو العام للمدن بشكل عام بدءا من فرش السراير والبطانيات اللي كانوا بيسلموهالنا إلى الحمامات والمطعم ..

المؤذي في المدينة هو الشروط الجذافية اللي بتتفرض عالطلبة من الإدارة يعني مثلا جم في فترة وقالولنا ممنوع تستلم وجبة الغداء في اطباقك اللي بتجيبها من البيت وبيلزمك تستلم وجبة الغدا في السرفيس القذر –وحط عشر خطوط تحت كلمة القذر دي- بتاع المدينة ..

مرة تانية قرروا يلغوا البوتاجازات الموجودة في الطرقات اللي الطلبة بتسخن عليها رغيف العيش بتاع العشا –نظرا لإن العيش كله بيتخبز الصبح ولما بنستلمه بالليل بيبقى ناشف ومشضض(كلمة تستعملها أمي في وصف العيش اللي بالحالة دي)- وفي نفس الوقت اللي كان بيتمسك بسخان كهربا أو غلاية كهربا بيبقى يومه أسود..

نظام بالقذارة دي كان بيخليني أسأل نفسي إيه الفرق بين الإدارة العامة للمدن الجامعية والغدارة العامة للسجون .. إذا كان صوتنا اتنبح عشان يوفرولنا مصدر مياة شرب نضيفة وماعبروناش إلا بعد الثورة بفلتر واحد بطئ جدا بيغذي المدينة كلها (تقريبا 6000 طالب) ..

الصدمة الكبيرة إني بدأت اقتنع إن المساجين عايشين حياة أحسن من طلبة المدن الجامعية وإنهم بيخضعوا لإشراف المجلس القومي لحقوق الإنسان ..
على جانب آخر أنا نفسي أشوف رد فعل أي مواطن من دولة متحضرة لما يعرف إن المدن الجامعية في مصر مافيهاش مكتبات ولا قاعات انترنت وإن كل اللي حصل بعد الثورة إنهم جابوا كام راوتر وايرلس خربانين ومابيغطوش المدينة كلها ..
كل الخراب ده وييجي نائب رئيس جامعة ذكي يقرر ياخد كام دور من المدينة -اللي هي أصلا سايعة الطلبة بالعافية- ويقرر يخليهم سكن مميز -سكنت فيه في آخر سنة ووصفه الوحيد: خراء- وبأسعارخيالية بدل يحل ازمات المدينة والطلبة اللي ماسكنوش في المدينة غير لأسباب قسرية ..
ده الطالب الجامعي اللي هو طليعة المجتمع ثقافيا واجتماعيا وبيعاملوه كدة وانت طمعان في مستقبل مشرق .. ياخي #$%

حماية البيئة هي الحل


لعلك تعتقد أنني أكتب لأذم الإخوان وشعاراتهم الكاذبة أو أنني اتحدث عن "الناس البيئة" أو إني أملك فائض من الوقت .. الصراحة أن فكرة ما تتبلور في دماغي ولا أجد إسم لها يعبر عنها بدقة أو يسلم من السخرية ؛ فمثلا فكرت في اقتصاد البيئة أو صناعة حماية البيئة إلخ..
الفكرة باختصار أننا لو وضعنا فكرة حماية البيئة –بتعريفها العام؟- في مقدمة أولوياتنا الاقتصادية فهذا يعود علينا بالنفع المادي أكتر مما لو جعلنا النقود هي همنا الأول ..
وسأضرب على هذا ثلاث نماذج أو أمثلة :

السيارات التي تعمل بالغاز:
وأعني استخدام الغاز الطبيعي كوقود للسيارات بدلا من البنزين والسولار وهو أقل ضرر بالبيئة وفي نفس الوقت يمكن تصنيعه من المخلفات البيولوجية وهذا سيفتح باب واسع لصناعة الوقود المتجدد بما للصناعة من فوائد اقتصادية واجتماعية .. لدلرجة إن مشروع مثل هذا لو تم تعميمه سيجعل قيمة للمخلفات البيولوجية وسيجعلنا نتعامل معها باعتبارها مصدر دخل بدلا من  أن نتعامل معها باعتبارها عبء على البيئة ..
الغابات الخشبية:
معروف ان الخشب يدخل في صناعة الورق ومنتجات كتير بخلاف الأثاث الخشبي –الموبيليا- ومعروف إن شركات كبيرة كتيرة تعتمد على أشجار الغابات وهذا له أضرار بيئية معروفة لكن لو اننا قررنا نعمل غابات صناعية نزرعها بمياه الصرف الصحي المعالجة فهذا سيوفر علينا قطع الأشجار من الغابات وفي نفس الوقت ستنشأ صناعة جديدة من الصفر وتشغل عمالة وستحرك الاقتصاد أكثر.
المدن الجدبدة:
المدن الجديدة هذه مدخلنا لمصر جديدة حديثة مدنية .. لإن مصر اهملت فنون العمارة وتخطيط المدن منذ ستين سنة تقريبا وكل الموجود حاليا غابة اسمنتية مليئة بالقبح..
ما أريد أن أقوله عن المدن الجديدة أنها فرصة لحماية البيئة في المناطق المكتظة بالسكان والمناطق المجاورة لها ( مثلا في مصر بناء المدن الجديدة لا يخفف الزحام داخل المدن القديمة لكنه يحمي الأرض الزراعية المنتجة من تعدي الكتل الأسمنتية عليها) كما أن المدينة تعني اقتصاد جديد واستثمار للأرض المهملة والطمع البشري يعمرها بعكس المدن في الدلتا حيث الطمع يدمر الأرض الزراعية ويجوع الشعب ..

*************

الخلاصة أن البيئة هي استثمارنا الحقيقي وهي مفتاح الاقتصاد وأي اقتصاد يتم بناؤه على حساب البيئة أو مهملا لها سينفجر ذاتيا في النهاية ..
ما معنى السماح ببناء أبراج تزيد عن عشر طوابق في شوارع ضيقة جدا ؟ ما معنى القاء المخلفات اليومية للمدن في الصحراء أو احراقها بدلا من اعادة تدويرها واستخلاص المواد الخام منها ؟ ما معنى إهمالنا لمصادر الطاقة المتجددة ابنة البيئة لصالح الوقود الكربوني الملوث للبيئة ؟
هناك عبارة تعلمتها في الطب تقول : "دع معدل الوفيات يقودك" أي أن الدواء الذي يقلل معدلات الوفاة هو بالتأكيد الأصلح .. وأنا هنا أقول : دع حماية البيئة تقودك.

الأفكار المذكورة مطبقة بالفعل في أغلب دول العالم وقد تكون موجودة في مصر لكن على نطاق ضيق او لا يتم التعامل معها كمشاريع ذات أولوية

مبارك العلماني


"إن مصر دولةٌ علمانيةٌ تفصل الدين عن السياسة، لكنها تعتمد الشريعةَ الإسلاميةَ مصدراً أساسياً للتشريع" هكذا قال أحمد نظيف في مقابلة مع قناة العربية قبل ثلاثة أشهر من الثورة التي أطاحت به أول ما أطاحت .. هل هذا يروي ظمأ المتطلعين للعلمانية في مصر وبخاصة المتطرفين منهم أمثالي ؟
في الواقع نظام مبارك ضرب العلمانية والليبرالية والإشتراكية وكل الأفكار في مقتل .. كان مبارك العلماني هذا لا يكف فقهاؤه عن الدعاء له على المنابر والدعوة بحرمة الخروج عليه أو الاعتراض على سياساته -بعض هؤلاء يملأ الدنيا ضجيجا باسم الإسلام والثورة الآن-. مبارك العلماني أيضا هو الذي وافق على إنشاء عشرات القنوات الوهابية على النايلسات وهو يعلم ما بها ولكن لا ضرر طالما أنها لا تعارضه بل كلفهم الأمن بمهام متطورة من حيث القذارة وهي مهاجمة المعارضين له وتسفيههم وتسفيه أدواتهم السلمية .


سياسات مبارك لم يكن فيها انحياز واضح لأي أيديولوجية ومن الغباء وصفه بالعلمانية لأن هذا إهانة للعلمانية نفسها فهو الذي تواطأ مع الإسلاميين على نبذ مصطلح العلمانية من القاموس السياسي المصري .. بالفعل نجح مبارك في شل يد الإرهاب -حركيا- في التسعينات لكن آلته الإعلامية -وكانت متفردة حينها على الساحة- تخاذلت عن تلميع الفكرة التي يصف نفسه بها أمام الغرب وعجز فشله السياسي والاقتصادي عن تبييض وجوه المبشرين بالعلمانية في حينها أو ربما أدى فشله وفساده لإلتحام أشد القوى العلمانية تطرفا باليمين الإسلامي الفاشي لإسقاطه كما حدث في ثورة يناير المجيدة.  بل إنه سجن ونكل معارضينه المنتمين لليسار وللليبرالية على حد سواء.. بل إنه ترك المجال للإسلام السياسي في المساجد والإعلام والصحافة والجامعات طوال 30 سنة من حكمه .. حتى هذه القوى السلفية التي استضعفها بآداته القمعية لم يحاول وأد أفكارها أو عزلهم عن المجال العام بل حولهم لآداه تضفي القداسة والشرعية الدينية على حكمه المديد ..



مبارك العلماني هو الذي أفسد بأمن الدولة كل المحاولات الجادة لتكوين معارضة مدنية جادة تبادل معه السلطة أو تنازعه أضواء الكاميرات. ولم يبق سوى قوى الإسلام السياسي تداعب خيال البسطاء من على المنابر والفضائيات عن الحكم الإسلامي وبحور العسل واللبن . بل إنه كان يعقد الصفقات مع الإسلاميين دون غيرهم من المعارضة .. هو من فعل هذه الثنائية "الحزب الوطني/ الإخوان".
هل تريد أن تعلم ماذا فعل مبارك بالعلمانية ؟ أنظر من تنافس في الجولة الثانية لإنتخابات رئاسية حيث تنافست علمانية مبارك متمثلة في الزعيم المخمور أحمد شفيق وحفيد حسن البنا الذي عاش في امريكا بضع سنوات ولا يستطيع إكمال ثلاث عبارات بالإنجليزية بدون تهتهة ..
جدير بالذكر أن كل ما قيل في مبارك في هذا الموضوع ينطبق على العسكر ومجلسهم وهي تجربة قريبة وقصيرة وموجزة وبها نفس تفاصيل الأيام المباركية الخوالي ..
بعد كل هذا يترحم السذج على أيام مبارك لأنه كان علمانيا!! 
 صديقي العلماني : أنا أيضا علماني مثلك والأخوة اللي بيننا تقتضي القول إن مبارك مجرد إبن وسخة اللي بيكسب به بيلعب به وكذلك أتباعه وفلول نظامه .. عايز علمانية انضم لأحد الأحزاب اللي اسمها مدنية أو ساهم في تكوين تيار علماني قوي لا يستحي من إسمه وله أتباع يعرفونه بإسمه وانحت في الصخر وثقف نفسك واتكلم مع الشعب واكتب وعبر عن نفسك .. ترحمك على أيام مبارك أو التعاون مع فلوله لن يجلب لك سوى فساد عصره وفشله وبعض مظاهر الحداثة الفارغة وهذا ما لا نرضاه..

هو سَمَّاكُم المسلمين

أعلم أن الكثيرين طرحوا هذه الأمور للنقاش وأن ربما طرحي لا يضيف جديدا لكني في الحقيقة أكتب لأسجل موقفي لعلي أسأل عنه يوما ما ولعلي أفيد أحدهم إن مر بهذه الصفحة عابرا في بحور الويب ..
ماذا يطرح الإسلام السياسي حتى ينتخبه مواطن عاقل ولديه الحد الأدنى من العقل النقدي ؟ هم مجرد سعاة في طلب السلطة يصوروا لأنفسهم ولناخبيهم  صفات ومميزات وهويات من اللاشئ وتطرح اللاشئ .. بل إنهم يرجون لبضاعتهم الخاوية هذه بأساليب فاسدة وتخالف مايدعون به وما يؤمنون به ..
فمثلا يقول أنصار الإسلام السياسي في عدم جواز ولاية غير المسلم ويقول مدعو التفتح فيهم بأن الحكم والرئاسة طالما محدود بدستور وقانون فليست ولاية عامة ثم لا ينفكون يقولون هذا مرشح الكنيسة وهذا نصراني وهذا خادم الصليب ..
ألم يعلموا أنه في عهد الخلافة العباسية كان هناك وزراء من النصارى تقلدوا وزارة المالية أو ما يوازنها في عصرها .. وأن النصارى في عهد الدولة العباسية كانوا يشرفون على تربية أبناء الخليفة وتعليمهم ؟
ثم هم يطرحون الشريعة الإسلامية ويعدون بتطبيقها إذا فازوا بالمقاعد ثم يخلفون وعدهم ولا يطبقوا منها إلا ماهو شاذا أو موضع خلاف أو يلبسوا مصالحهم الخاصة برداء الشريعة أو يظهروا من الأفعال والأقوال ما يخالفها هم أو مؤيديهم ؟
ما هذه الدوجمائية الفاسدة ؟! اليس القرآن يقول ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾ القصص: 26 فهل هؤلاء أمناء أو أظهروا من الأمانة ما يدعونا لاستئجارهم ؟ هؤلاء يسوقون لأنفسهم أنهم إسلاميين  وعندما يرد العلماني بأنه هو أيضا مسلم يردون قائلين لا يكفي أن تكون مسلما يجب أن تكون إسلاميا ! يكفي لماذا ؟ بحق .. يكفي لماذا ؟ لرضاك أنت وطائفتك ؟ أم لرضا الله ؟ الله يقول في صورة الحج   هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ وأنت تزايد على الله ؟! يا لبجاحتك يا أخي !

******************

يروى عن أبي حنيفة رضي الله عنه -وكان تاجر قماش غني جدا ومشهور في بغداد بجانب تفقهه في الدين- أنه جاءه رجل وطلب ثوب حرير، فقال لأبنه حماد: يا حماد، أخرج ثوباً. فأخرج حماد ثوباً ونشره -أي فرده كما يفعل تجار القماش- قائلاً: صلى الله على محمد..! فقال أبو حنيفة: "مه قد مدحته"..ورفض أن يبيعه، وتجول المشتري في السوق يبحث عن ثوب آخر، ولم يوفق فعاد إلى دكان أبو حنيفة أشد ما يكون حاجة إلىالثوب، وأظهر ما يكون استعدادا لدفع الثمن، ولكن أبو حنيفة في غير مخاشنة، ولا مشاقة، بل في سماح، رفض أن يبيع حرصا على عدم استغلال الدين لأجل الدنيا .. هكذا يعلمنا الإمام الأعظم أبو حنيفة عن احترام دين الله .. فالدين جاء لتهذيب النفوس وتربية الرجال لا لطلب الدنيا والدنانير ومدعي الإسلام يتاجرون في الدنيا على المنابر مروجين لأحزابهم ومكفرين لمنافسيهم وقد قال الرسول ص : إذارأيتم الرجل ينشد ضالته – يعني في المسجد – فقولوا : لا رد الله عليك ضالتك ..

هذه هي الشريعة التي يدعون إلى احترامها وهم أول من يخرقوها ..

********************

يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات-113 .. إن أكرمكم "عند الله" -وليس عند الناخب- أتقاكم ويأتي في هذا السياق مفسرا قول سيدنا عمر بن الخطاب :  لا تَنْظُرُوا إِلَى صِيَامِ أَحَدٍ وَلا صَلاتِهِ وَلَكِنِ انْظُرُوا إِلَى صِدْقِ حَدِيثِهِ إِذَا حَدَّثَ , وَأَمَانِتِهِ إِذَا ائْتُمِنَ , وَوَرَعِه إِذَا أَشْفَى "  أي أن العبرة بالمعاملة والمعاملة فقط ولا عجب وقد عرف الرسول ص في مكة قبل البعثة بالصادق الأمين .. أين أنتم من صدق الرسول وأمانته وأنتم تحتكرون الحديث بإسمه وتمثيل دينه ..؟

هذا حال الإسلام السياسي من يوم أن وجد .. بضاعة فاسدة ودعاية فاسدة .. هم فعلا في أزمة وجودية ؟ من أنشأ الإسلام السياسي ؟ ولماذا ؟ وما مميزاته ولماذا يفشل دائما؟ ولماذا يعادي التطور ولماذا يفتت الأمة ولماذا ينتهج العنف أو التضليل أو كلاهما ؟ ولماذا يسعى إلى قولبة الناس في قالب واحد وقد خلقنا الله مختلفين وأراد لنا الإختلاف والتعايش على اختلافاتنا .

رأي بسيط في الحاكمية

بسم الله  ..
في الحقيقة تصور السلفيين -وهم التيار الفكري الأساسي بين صفوف الإسلام السياسي- عن حاكمية الله عجيب ومخجل وبه نوع من الرومانسية الساذجة أو المزايدة بالدين في طلب السلطة .. نعم يا صديقي كل هذه التهم في عبارة واحدة .


فهي تقتطع الآيات القرآنية من سياقها ثم تأخذها على ظاهرها ثم تقول أمور مسلم بها مثل "السيادة لله" ثم تقحم هذه "السيادة لله" في صراع مادي على منصب أو كرسي خشب ..
في نظري الحاكمية نظرية قائمة على عدم اعتراف من ابتدعها بحرية العقيدة  سواء في اختيار الدين أو داخل الدين .. وكم من التجاوز لهذه النقطة في أدبيات الإسلام السياسي لهذه النقطة .. كما أنها ليست مما يظهر لنا من أركان الإسلام المنصوص عليها في حديث الرسول ص الشهير ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمداً رسول الله و إقام الصلاة , وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان ) متفق عليه أخرجه البخاري ولا من أركان الإيمان في الحديث الشهير الذي رواه مسلم نْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ , وَمَلائِكَتِهِ , وَرُسُلِهِ , وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ , وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ" 

وبدون أن أدخل في علوم العقيدة سوف أشرع مباشرة في مناقشة مايهم واقعنا .. وهل فعلا "إن الحكم إلا لله" التي يقولها السلفيين والإخوان في طلب السلطة هي "إن الحكم إلا لله" التي يقصدها القرآن ؟
 وردت إن الحكم إلا لله في سورة يوسف مرتين  الأولى:
{مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }
يوسف40

وكانت تعقيب من سيدنا يوسف على كلامه مع رفيقيه في السجن وعلى عبادتهما لغير الله ولو كان سيدنا يوسف يقصد بها اعتراضه على نظام الحكم في مصر لكان رفض أن يكون جزء من نظامها السياسي بعد أن خرج من مصر وبخاصة أن القرآن لم يخبرنا عن دور دعوي لسيدنا يوسف أو عن خلاف سياسي مع عزيز مصر  ..
 وذكرت المرة الثانية في :
قَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ يوسف 67

وهي في وصية سيدنا يعقوب لأولاده  وهو يوصي أبناءه بالحذر عند خول مصر ويقولها معقبا وواضح من السياق أنه يقصد أن القضاء والقدر كله بأمر الله وأن لا راد لحكم الله ..
إذا العبارة  تتحدث عن توحيد "عبادة" الله في الآية الأولى وعن "القضاء والقدر" في الآية الثانية وهما شأنان لا دخل لهما بأي صراع سياسي دار في قصة سيدنا يوسف كما أنها موضع اتفاق من كل المسلمين والإختلاف عليهما حق منحه الله للإنسان طالما أن هناك بعث ونشر وحساب وجنة ونار ..

*****************

في الحقيقة -وكما فهمنا مما سبق- أننا عندما نقول "إن الحكم إلا لله" فإنا نعني أن كل الوجود وما علمنا وما لم نعلم في قبضة الله  وهذا مسلم به عندنا كمسلمين .. لكن الصيغة التي يتم بها تناقل هذه العبارة القرآنية تعني وكأن هناك من يبحث عن حق الله في حكم بلد ما وكأن -والعياذ بالله- الله عاجز عن إتيان حقه -تعالى الله-  أو أن الله الذي خلق هذا الكون طرف في نزاع على سلطة مادية حقيرة ولهذا أرى أن إقحام هذه الآية القرآنية إهانة أو إزدراء -كما هو شائع اليوم- للذات الإلهية مالم تكن استخفاف بعقل المتلقي .. 


******************

في الحقيقة عندما يصل الجدل العلماني-الإسلامي إلى ذروته يكون الخلاف هو مصدر التشريع ويكون التشريع هو المقصود بفكرة حاكمية الله -وهذا لا ينفي عنها التهم التي ذكرتها سابقا-  ..
أود ان أذكر ثلاثة مبادئ يبدون لي كمسلمات ..
الأول: أن غاية التشريع الإسلامي هي العدل. طبقا لقول إبن القيم  "إن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط. وهو الأساس الذي قام عليه ملكوت السماوات والأرض. فأينما كان العدل فثم شرع الله ودينه وإن لم ينزل به وحي أو ينطق به رسول".

الثاني: أن جوهر العدل المساواة وليس غلظة العقوبة أو لينها .
الثالث: أن لا مفر من الخلافات الفقهية ..

هنا أنا سوف أدافع عن التشريعات الوضعية
يقول الله عزل وجل :
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[النساء:65]
أي أن المؤمن الحق هو الذي يلجأ إلى ما في القرآن والسنة من تشريعات ..
حسنا .. ضع بجوار الآية السابقة الآيات التالية :
﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) . الكهف 29
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) [يونس : 99]
{لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} (البقرة:256)


إذن لايمكن إجبار أحد بشكل ما على الإيمان وبالتالي التقاضي أمام تشريع معين إجبارا .. حتى ولو كان يدين بنفس الدين الذي جاء منه التشريع ..
لابد إذا من خلق أسلوب للتوافق بين الناس والناس وبين الناس وحكامهم حول ما التشريع الذي سنتقاضى أمامه .. هنا تنشأ فكرة العقد الإجتماعي .. العقد الذي يتجسد في الدستور والقانون .. وهما مجهود بشري  بحت  يقول الله عز وجل :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}النساء
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} المائدة

ويقول الرسول ص في حديث آخر:
" الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلا شَرْطًا حَرَّمَ حَلالا ، وَأَحَلَّ حَرَامًا , وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ النَّاسِ إِلا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلالا " .
أي أن العقود -العقد الإجتماعي- -التشريع الوضعي- ليست حراما على مالم تحرم حلال أو تحل حراما وطالما حققت العدل بين الناس بخاصة أن  القرآن والسنة لم يغطوا كل جوانب الحياة في تشريعهما وأن رسول الله قال :
ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً، ثم تلا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا }.
أي أن ما يتشدق به الكثيرون عن كفر هذا المذهب وهذه الأيديولوجية يقع في منطقة العفو كما أن الإصرار على تطبيق نظام ما أو تشريع ما يهدد السلم الإجتماعي ووحدة البلاد مثلما حدث في السودان وحيث أن الصراع على السلطة أو إدارة البلاد هو من الأمور المادية أو الدنيوية يقول الرسول ص في حدث تأبير النخل الشهير " أنت أعلم بشؤون دنياكم" وكأنه يرسل لنا رسالة مفادها لا تلتفوا لمن يتحدث بإسمي طالبا منصب أو جاه فأنتم أعلم بشؤون دنياكم ..


 ********************

في النهاية أتركك صديقي القارئ مع حديث بريدة عن رسول الله حيث قال في حديث طويل :
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ ................. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لا. رواه مسلم (9/150).

حيث يخبر الرسول أن الأحكام التي نسير بها دنيانا وشؤوننا المادية يجب أن تصدر باسم الشعب أو أي شخص آخر لا بإسم الله ورسوله لئلا رجعنا فيها فنسئ إلى الله ورسوله  وأن إعمال العقل خير من السير وراء تفسير مشوه لنص قرآني أو حديث شريف ..


والله أعلم

أسباب أخرى للفشل المصري


لدي اعتقاد راسخ أن رفاهية الشعب المصري مرتبطة بأمرين الأول هو التوقف عن التهام الأراض الزراعية لبناء المساكن والتوجه للصحراء والأمر الثاني هو التوقف عن بناء المباني ذات العدة أدوار ..
لا أعرف كيف يصر المصريين على الانحشار في الوادي الضيق وترك الصحراء الواسعة الشاسعة حيث يمكنه بناء مسكن واسع ذو حديقة وفناء وجراج خاص بدلا من زحام القاهرة والأقاليم الخانق حيث أن المباني ذات الأدوار الكثيرة تحتاج لمساحات في الشوارع -الضيقة- لركن وتسيير سيارات سكانها بينما في المدن التي تعتمد على البيوت المكونة من طابق واحد أو اثنين وتلتزم بمساحات فاصلة بين البيوت يكون نصيب المواطن وسيارته من الشارع أكبر بكثير..
***************
 صورة للشكل التقليدي للمسكن المصري حيث بيوت صغيرة ضيقة متكدسة في منطقة ضيقة حيث:
لا مكان لركن السيارات فيضطر السكان لركن سياراتهم في الشوارع العمومية ضاغطين على حركة المرور اليومية
لا أماكن ترفيه أو تسلية



صورة بالقمر الصناعي لإمبابة.. انظر كمية البيوت المتراصة بشكل فسيفسائي مثير للشفقة على سكانها و أطفالها




صورة أخري للأبراج التي يتم زرعها في الشوارع الضيقة بالقرب من وسط المدن ضاغطة على شبكة المرور بسيارات أصحابها وبجلب مزيد من الزحام لمركز المدينة

أتساءل .. كيف يمكن أن ينمو خيال طفل أو تلميذ في منطقة موبوءة مثل هذه .. كيف يمكن أن ينال المواطن قسطه من الهواء والمناطق الخضراء .. ماهو شكل التسلية أو الترويح الذي يمكن أن يستنشق الإنسان خلاله هواء نظيف ؟.. أين المكان الذي يمكن أن يحظى فيه الإنسان بأشعة الشمس وبعض المناظر الطبيعية ..

في الحقيقة أتساءل كيف قام المصريين بثورة يملأها كل هذا الخيال وقد نشأنا في صناديق القمامة هذه ؟ ... لدي إجابة بسيطة على هذا التساؤل تكمن في الإعلام وما ينقله عن الشاطئ الآخر للأطلسي أو المتوسط حيث نقيض كل مانفعله أو نتفنن في فعله من تعذيب أنفسنا وتبذير أموالنا على هذا الهراء ..



منزل أمريكي مصنوع بالكامل من الخشب


أحد شواع كاليفورنيا





في اعتقادي أن هذا الفرق في العمارة وتخطيط المدن هو سبب تفوق الغرب علينا في نواحي كثيرة .. بالتأكيد لديهم عمائر قبيحة نشاهدها أيضا في الأفلام لكنها لفقرائهم أما في مصر فنحن نعشق إنفاق مليون جنيه في شراء منزل من خمس طوابق على واجهة واحدة في شارع عرضه 6 متر لا تستطيع سيارة المطافئ أو الإسعاف أن تدخله ..
المسألة ليست متعلقة  بالفقر والغنى .. إنها مسألة خيال .. فقر خيال نعاني منه بدرجة تجعل الانتقال إلى إحدى المدن الجديدة والحصول على منزل واسع بحديقة ومساحات واسعة لركن السيارة أمر صعب على أنفسنا ..
فقر الخيال في الحكومات التي تفنن في إدارة وتخطيط المدن بعشوائية شديدة وغباء مطلق في جعل حياة الناس كئبة وحزينة ..


********************


مقطع من كتاب نشأة الروح القومية المصرية  يتحدث عن إنجازات الخديو اسماعيل في تخطيط وبناء مينة القاهرة على الطراز الغربي(1)

في الحقيقة أتألم كثيرا فنحن لم نحافظ على هويتنا المعمارية ولم نقلد الغرب في معمارهم بل استخدمنا الطفرة الحادثة في مواد البناء واساليب التشييد في جعل حياتنا أكثر كآبة وظلام ..

 هكذا كنا في الماضي

صورة التقطها بموبايلي في إحدى المظاهرات بمدينة الزقازيق


مصر تملك الإمكانت المادية اللازمة للنهضة لكنها لا تملك الإرادة لتكون دولة رفاهية ينعم أبناءها بالجمال وهذا الموضوع لاينطبق على المعمار فقط لكنه مثال لما يحدث في الاقتصاد والسياسة وكل أنواع الفشل المصري ..
------------------------------------------------------------------------------
(1)  طبقا لهذا النص فإن المقصود بهذه الجزيرة هي بولاق الدكرور حيث تكون تسميتها الأصلية  "بو لاك دو كير Beau ac du caire" بالفرنسية

Followers

Featured Posts