الكفتة توداي *

1

كوني طبيب أواجه كثيرا صعوبة  في اقناع مريض ما بقوة رأيي الطبي وكسب ثقته وأنا أطرح أمامه مجموعة التشخيصات المختلفة قد تكون هي المتسببة فيما يشتكي منه من أعراض. بالطبع هناك تحاليل وفحوصات يمكنها أن تحسم الأمور. لكن تكلفة هذه الأشياء تجعلها في المرتبة الثانية عندي من حيث الأفضلية مقارنة بالتجارب الدوائية التي تستغرق وقتا لكنها قد تبدو أقل تكلفة. كل هذا وأنا أخاطب المريض ب ربما وممكن وقد وكل هذه الأدوات التعبيرية.
هذا حال العلم. كلما تعلمت أكثر تدرك أنه هناك احتمالات أكبر لأسباب أكثر لتفسير ظاهرة ما وأن هناك شكوك أكثر ومخاوف أكثر بخصوص نظرية ما أو تطبيق ما. حتى الإحصاءات كلها تخضع للقيل والقال والتلاعب Manipulations وإعادة القراءة بحسب الانحيازات العلمية والمادية.
بل إن الطريف أن الإحصاء كعلم تصنف على إنها مادة أدبية في مناهجنا. ورغم أنني لا أعني السبب إلا أنني لا أبدي استغرابا وقد استطاع العقل البشري من تحويلها من آداه للحكم على الأشياء والنظريات والتطبيقات إلى آداه للمراوغة.


2


الدكتور ابراهيم سليمان –كما يدعي- هو طبيب جراح –كما يدعي ولا أعلم علاقة الجراحة بما يلي- يظهر يوميا على قناة الصحة والجمال ويقوم باستضافة مكالمات تليفونية مفبركة من أناس يدعون تناولهم للعقار الذي يصنعه ويدعي أنه عقار ألماني ويعالج الفيروسات الكبدية والسرطانات والسكر والضغط والعجز الجنسي –اكسير الحياة- وله صفحة على الفيسبوك يتابعها 17000 متابع ولم تتم ملاحقته بأي تهمة أو اغلاق قناته المضللة أو التشويش عليها بافتراض أنها تبث من قمر صناعي غير مصري متداخل مع النايل سات في حزمة ترددات.

3

الدكتور أحمد عبده عوض رجل مريض يحتاج إلى مصحة عقلية وطبيب يحمل رخصة وصف أدوية مخدرة فهو يدعي أنه يعالج السحر ومس الجن ويقوم بذلك على الهواء ويؤدي حركات تشنجية بوجهه ويتمتم بأصوات غريبة أثناء مخاطبة الجن الذي أضاب المريض عبر التليفون في قناة الفتح الفضائية ولا أحد يلاحقه بتهمة التضليل أو النصب أو أي تهمة من التهم المطاطة التي يمتلئ بها قانوننا أو يراجع تصاريح القناة أو يشوش عليها.


4

الجلد يغطي جسد الإنسان –والثدييات والطيور- ويعمل كخط دفاع أول ضد غزو الميكروبات للجسم البشري وإذا حدث أي عطب بهذا الخط فإنه سيكون من السهل جدا على الميكروبات اختراق الجسد والتكاثر بداخله وإتلاف الأعضاء الحيوية أحيانا. ولذلك فعندما يصاب أحدهم بجرح ويهمل نظافته فإن الجرح يتحول إلى خراج ثم يعاني المريض من الحمى جراء انتشار البكتيريا في الدم; نفس الأمر حدث مع الدولة المصرية التي توقفت عن محاربة الخرافة حتى تمكنت منها الخرافة.
هذه الخرافة تمثلت الأمس في سنة من حكم الإخوان واليوم تتمثل في إهانة شديدة للمؤسسة العسكرية المصرية ولشرف كل العلماء والمشتغلين بالعلم المصريين داخل مصر وخارجها.

5

لن أحكي عن نقاشات مع الأهل والأقارب بخصوص جهاز الكفتة المزعوم ولن أروي عن أن البعض لازال يعتقد في أمكانية حدوث معجزة من قبيل أن يقود فني معامل ومعالج بالأعشاب فريق من الباحثين لاختراع جهاز لعلاج كل الأمراض. وأن ربنا مع المؤمنين. وأن أحدهم استيقظ يوما ما من نومه فوجد نفسه حافظا للقرآن عن ظهر قلب فلا تسأل عن السبب يا وغد. ومن أنت بجوار الدكتور أحمد مؤنس الذي أيد الجهاز. ومن أنت بجوار الهيئة الهندسية التي تبنت الاختراع المزعوم. لن احكي عن خالد منتصر وما تلقاه من شتائم من أناس يأملون بصدق في وجود علاج لفيروس سي ظنوا أن انتقاده سيؤدي لتوقف المشروع العظيم. ولن أحكي عن أن مهرج مثل باسم يوسف لا يحق له الحديث عن العلم لأنه لا يساوي شيئا في كرش الدكتور أحمد مؤنس.

6

المشكلة اختصارا وإجمالا تكمن في دولة مهترئة أصبحت تنتج الخرافات بدلا من محاربتها ومواطن تم تفكيك عقله وأصبح عسكري في رقعة شطرنج يتم حشده ككيان فيزيائي لا مخاطبته كإنسان مكرم له عقل يستخدمه. لن طيل الكلام في الحديث عن فشلنا في انتاج العلم ولا عن ميثاق تطوير الإعلام الذي تم الإعلان عنه في بيان 3 يوليو ولا وزارة الصحة العاجزة في مواجهة النصابين ولا عن الدولة التي تركت قمرها الصناعي الذي تباهي به الأمم مرتعا للجهلة واللصوص والنصابين ولا عن تعليمنا المتأخر .....
 ولنا الله وحسبنا الله ونعم الوكيل


 ---------------------------------------------------------------------------------------
عنوان المقالة مقتبس من مدونة "الكفتة توداي" 

Followers

Featured Posts