عن علمانية الدولة وعلمانية المجتمع

أشعر بأن الأرض الآن اكثر ثباتا تحت قدمي وأنا أتكلم عن العلمانية كمواطن مصري. كما شعرت بكل نرجسية انني من هؤلاء الذين صنعوا انتفاضة 30 يونيو ضد الحكم الإخواني رغم أن مشاركتي في الحياة العامة تكاد تكون مقتصرة على الكلام على مواقع التواصل الاجتماعي ..
الآن لدي الرغبة للحديث مرارا وتكرارا عن العلمانية ومن موضع قوة وبكل ثقة ومن نفس المنبر الذي تحدثت منه سابقا..

 كاريكاتير بجريدة النيويورك تايمز للرئيس المعزول مرسي وهو يقول أن الفرق بينه وبين نظام مبارك أنه ليس علمانيا. 

أحد الأسئلة التي طرحت علي عن العلمانية كانت : ما الفارق بين علمانية الدولة وعلمانية المجتمع؟
ربما يبدو السؤال معقد للبعض لكن الحقيقة غير ذلك.
الإجابة على هذا السؤال يجب أن تبدأ بتوضيح الفارق بين الدولة والمجتمع.. الدولة والإنسان.. الآلة والإنسان.
إذن فالدولة هي مجرد آداة اخترعها الإنسان لتسيير حياة المجتمعات البشرية, بالطبع تتمثل الدولة في هيئة شخوص لكنها في النهاية آلة مثلها مثل السيارة مثل الطائرة مثل القطار.
أما المجتمع فهو مجموعة أفراد -وأنا هنا أحب أن اتكلم من منظور فردانية الإنسان- ولكل إنسان افكار ومعتقدات وعبادات وعادات.
فلا يمكن المساواة بين الشئ والإنسان. الإنسان هو من صنع الدولة لتخدمه وتيسر عليه حياته. والدولة -متمثلة في شخوصها- يجب أن تلتزم بالحيادية تجاه أفراد المجتمع وتحترم فردانيتهم من حيث المعتقد والفكر والطباع والإنسانية ككل.
إذا فعلمانية الدولة تعني حيادها تجاه الأفراد معتقداتهم واحترامها لحرية العقيدة بشكل كلي أو ما اتفق عليه من تعريف بأنها فصل الدين عن الدولة.
اما علمانية المجتمع فهي موضوع مختلف تماما.
علمانية المجتمع لا تعني أن يؤمن أفراد المجتمع بفصل الدين عن الدولة فالعلمانية هنا صفة سياسية بحتة
علمانية المجتمع بنظري هي نوع من الإنغماس في الحياة المادية والتخلي عن الدين كدافع شخصي في حياة الإنسان. ويعد هذا من قبيل ترشيد التدين. فالحياة الشخصية مليئة بالكثير الذي قد يتعارض مع الدين الذي يؤمن به الإنسان. فيضطر الإنسان -او قد يختار بإرادته ولراحته- أن يفصل بين معتقده وعقيدته الدينية وحياته الخاصة بمجرد أن يخرج من دار العبادة. أو أن يمارس حياته اليومية على أساس نفعي يخلو من الرحمة التي أمرت بها الأديان ثم يتلو صلواته قبل النوم ..

الربا -مثلا- محرم في الاديان السماوية الثلاثة; فإذا افترضنا ان الدولة تملك بنوكا تعمل بالربا -لا أقصد الفوائد فالفوائد ليست ربا- فهذا يعد فصلا للدين عن الدولة تتم ممارسته بواسطة الدولة إذن هذا يعتبر علمانية دولة.
اما إذا رأينا مجتمع يعمل أفراده بالربا بدون أي تدخل أو توجيه أو تسهيل من الدولة فهذا فصل للدين عن الحياة الشخصية يتم ممارسته بواسطة المجتمع -أفراده- فهذا يعتبر علمانية مجتمع.

بقي أن أقول أن العلمانية  - سواء علمانية الدولة أو المجتمع- لا تعني بالضرورة خرق الشرائع الدينية بالضرورة أو فعل ما تنهى عنه الاديان فهذا اتهام ثقيل والإنسان بطبعه خطاء من قبل ظهور الاديان ومن قبل ظهور العلمانية كفكرة من الأساس.
لكن العلمانية تعني التحرر من سلطة وسطوة رجال الدين في وجه والتحرر من التقييدات الدينية الشديدة والتي فرضت على الإنسان من آلاف السنين في وجه آخر; والمجتمعات البشرية كما نعلم تطورت وأصبحت أكثر تعقيدا ولم يعد ممكن بأي منطق الالتزام بالتصور الديني للدولة كما نزلت به الاديان من آلاف السنين.
 وأنا هنا لي تدوينة عن التصور الديني للدولة أو أنه ليس هناك من الأساس تصور ديني للدولة بعنوان : رأي بسيط في الحاكمية.

أما عن رأيي وميولي الشخصية فأنا بالتأكيد مع علمانية الدولة ولست مع علمانية المجتمع أو ضدها أحيانا.

Followers

Featured Posts