أفكاري - الحلقة الأولى



لدي دوما هذه الرغبة في الكتابة الشعور بتحقيق شئ ما كي أنفي عن نفسي تهمة الخوف من الحياة والهروب من برد الشتاء. ولإثبات أنني لم أقصي الثلاث شهور الأشد برودة مستلق على ظهري في الفراش مختبئأ تحت الأغطية.

بالعصر كانت لدي فكرة عظيمة فكرت في تدوينها وعندما عدت إلى اللابتوب لم أجد هذه الفكرة. لكن صدقوني, لقد كانت فكرة عظيمة وستشرح قلوب الكثير من البشر.
اليوم أيضا فكرت في أننا لدينا تصور خاطئ عن الحكمة والمثل وأنها مقولات نتجت من خبرة ما, ربما كان الأمر كذلك في الحضارات القديمة حيث لكل مثل قصة وحكاية. هذه الأيام الحكمة متناثرة في كلامنا وتنتظر من يقتطعها من سياقها ويكتبها بخط سميك ويضفي عليها نوعا من الشاعرية والعمق فيبدو للسامع أن شخصا ما خانه صاحبه فجعل منه دخانا وأن شخصا آخر ضرب الودع فمالقيش صاحب جدع..


عودا إلى فكرتي المفقودة.. أتذكرها الآن, هي عن الزخم وكيف أنه يعمي عيوننا عن الكثير من الأسئلة. وكيف أن تضخيم الإحساس بلحظة ما يعمينا عن الكثير من اللحظات التي كانت أقل رومانسية وأكثر خطورة. وكيف أن الشعور الكاذب بأننا أصبحنا نعرف كل شئ عن شئ ما أصبح يضللنا وأنه أصبح بالإمكان لو أننا التقطنا أنفاسنا وشعرنا بقليل من اللامبالاه تجاه رومانسية هذه اللحظة يمكن ألا نتوقف عن التساؤل وقد تقودنا اللامبالاه إلى عدم التساؤل على الإطلاق وربما كان هذا أفضل غير أن المشاكل هي التي تأتي إلينا.

أتذكر هذا ونحن نمر اليوم بذكرى هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. وما استتبعه من ثورات أخرى كان أولها في مصر وامتدت لتطال العالم العربي. وكيف أن لحظات تم تصويرها بكاميرات الفيديو كانت دسمة على عقولنا ولم نهضمها سريعا فلم نتفرغ للتساؤلات المشروعة إلا بعد فوات الأوان.

لكن فكرة أخرى تنتابني وتربكني وهي أن فعل الإندهاش هو فعل سياسي وأن الشعوب فقدت عذريتها "كطرف موجب في علاقة ما" في هذه الأيام. وأنه رغم إيماني أننا لا نعلم إلا ما يراد لنا أن نعلمه أن مانعلمه علمناه بطريق الصدفة وأن علمنا أو عدم علمنا أصبح لا يشكل فارقا في الأيام الأخيرة. إلا أنني متيقن أن لا أحد يريد مفاجئتنا. الأنظمة تعلم ذلك جيدا هذه المرة. خصوصا تلك التي لاتملك الجرأة لتقتل شعبها مثل هذا الموجود في سوريا.
هذا الحاجز النفسي والرغبة في عدم الاعتياد على شئ ما هو حاجز وهمي في الحقيقة. سوف تندهش الشعوب من جرأة الأنظمة إذا حاولت المساس بمكتسباتها وسوف تندهش الأنظمة من رد فعل الشعوب ثم سنعتاد جميعا على حمامات الدم , وإذا لن نندهش سوف نعتاد الدماء والأذى لذلك يجب علينا ألا نكف عن الإندهاش والزخم المصاحب للإندهاش وهذه الاسئلة التافهة وهذا التفرغ لوصف هذا الشعور وهذه اللحظة من جميع جوانبها.


لكن الكثير من المدارس الصحفية تقوم بهذه الوظيفة بشكل مخطط ومدروس وخلق حالة من الزخم/الإندهاش المفتعل لتعطيلنا عن التساؤل المشروع عما حدث وعما سيحدث وعما يحدث. فنحن كما قلت  لا نعلم شيئا وليس لنا أن نعلم وإذا علمنا نعمل عن طريق الصدفة وربما لا يشكل فارقا علمنا من عدم علمنا .. بل إن من يشوشون علينا هم الآخرون لا يعلمون ومن يخرجون علينا ليقولون أنهم يعلمون لا يعلمون..

كل شئ يقودنا للتشتت زهوة الانتصار ومرارة لهزيمة ومشاعرنا البريئة في لحظة ما ربما كانت سبب في تحريك المياة رغم أننا ما برحنا مقاعدنا لكن هذه النفس البشرية التي لازالت تشعر بالخجل ولديها هذا الحاجز النفسي هي التي فعلت الصواب وهي التي امتنعت عن فعل الخطأ حين كان متاحا لها أن تفعله دون مساءلة.

 أعتقد بالنهاية أنني كتبت هذه التدوينة لأجل هؤلاء الذين يفعلون الصواب ويمتنعون عن الخطأ لا لشئ سوى الخجل, هؤلاء الذين يحفظون الأسرار ويسيرون بيننا ولا نعرفهم, هؤلاء الذين يتلقون الاتصالات ويرسلون الرسائل ويوصلون الحلقات ويصورون أن الصواب هو السبيل الوحيد للنجاة أمام هؤلاء الذين يستطيعون أن يفعلوا الخطأ ولا يجدون من يرشدهم في أرض الضلال, هؤلاء الذين يجعلون لإندهاشنا قيمة أمام من لا يشعرون. 


Followers

Featured Posts