عن سوريا ومصر وصديقي داروين

1

لم يكن يتخيل أحد أن الثورة السورية ستنتهي بالجلوس على طاولة المفاوضات مع بشار الأسد او أحد ممثليه والتفكير في طرح أسم خنزير سمين مثل وليد المعلم كرئيس وزراء لفترة انتقالية .. حتى أنا لم أتصور ذلك وتوقفت عن متابعة الثورة السورية وقل حماسي تجاه المقاتلين المعارضون لحكم بشار ..


2
طوال الفترة الأخيرة وبعد أن اتضح لي سيطرة المعارضة "الإسلامية" /"السنية" / "الجهادية" على مقتضيات الأمور وزمام المبادرة بدأت أشعر بنفس الحيرة التي واجهناها من فترة ليست ببعيدة عندما اضطررنا لاختيار بين مرسي مرشح الجماعة الفاشية وشفيق مرشح الحزب المنحل والفاشي أيضا ..
ربما هذه المرة لم يكن لدي الرغبة في الاختيار -النفسي والفكري حيث أن رأيي لا يمثل أي قيمة للواقع لكنها اشكالية فلسفية في رأسي كان يجب معي التعامل معها- هل أتخلى عن حلم ودعم الثورة السورية المطالبة بالديمقراطية والحرية وأدعم بشار الأسد أو أتغاضي عن سفكه للدماء بحجة الحفاظ على وحدة سوريا وليس مجرد مدنيتها ؟..  أم أدعم الثورة وقد أصبحت ثورة إسلامية سنية في مواجهة بشار بوصفه رئيس شيعي علوي وقد بايعت جبهة النصرة التنظيم الإسلامي المسلح في سوريا أيمن الظواهري على الإمارة !!!

3
لست قارئا متعمقا في الداروينية كفلسفة اجتماعية وسياسية يمكن استخدامها كمنهج للتطبيق سياسيا أو لتفسير الظواهر الاجتماية والسياسية لكني قادر على القول بأن تسليح الثورة السورية نقل الصراع بين المعارضة التي كان يرأسها أستاذ جامعي -أذكر أنه ماركسي- من خانة الصراع الأفلاطوني الأخلاقي والشرعي والإنساني في سبيل العدل والحق إلى صراع دارويني يتم فيه التسابق في التسليح وانتهاج العنف كآداة لإنهاء الصراع بالضربة القاضية تحت شعار "البقاء للأقوى" وليس "البقاء للمبادئ والخير.."..

4
باعتقادي أن المعارضين المسلحين عندما قرروا استخدام السلاح وخصوصا السلاح الطائفي الهجومي قد ارتضوا بهذه اللعبة الداروينية في عملية أشبه بالمقامرة العظمى بمستقبل سوريا وثورتها..
وباعتقادي أيضا أن صمت العالم الغربي طوال هذه المده كان نابعا من إيمانهم بهذا المبدأ "البقاء للأقوى" هكذا تعاملوا مع مبارك لولا اتصالات ومشاورات الأطراف المصرية مع الأمريكان مبكرا جدا أثناء الثورة وهكذا تعاملوا مع ثورة اليمن وهكذا تعاملوا مع زين العابدين بن علي في تونس ..
الأقوى هو الأقدر على البقاء وفرض النظام .. الغرب بهذا في حل من دعم أي حركة تنادي بالعدل والحق والحرية ..

5
في مصر وتونس وهما ثورتان سلميتان بنسبة كبيرة جدا كان الانتصار -ولو قصير المدى- من حظ الثوار فقد تم الإطاحة برؤوس النظام واحلال نظام جديد -ستتم الثورة ضده لاحقا لكن هذا ليس موضوعنا- .. قارن بين هذا وبين ليبيا وسوريا .. في ليبيا دعم الغرب اللثوار مبكرا اعتمادا على تفاهمات بشان مستقبل النفط الليبي وقدرته على تسديد فاتورة الإطاحة بالقذافي باستخدام الآلة العسكرية الغربية .. وفي سوريا حيث لا نفط هناك صمت عالمي وتقاعس عن تكرار السيناريو الليبي برغم تشابه الظروف السياسية ; في اعتقادي الأمر ليس له علاقة باسرائيل بالشكل الذي يطرحه البعض بأن نظام بشار داعم لإسرائيل من الباطن .. الأمر الذي يجلعنا نفكر بطريقة رياضية بحتة بأن احتمال نجاح ثورة مسلحة هو مثل فشلها 50%-50% 

6
يروى في أهوال يوم القيامة أن البشر سينادون ربهم يوم القيامة أن يصرفهم ولو إلى النار من شدة وهول هذا اليوم وحسابه العسير .. هذا العجز عن الإجابة هو الذي يدفعني لتبني الطرح الدارويني للتعامل مع الأزمة السورية .. سننتظر النتائج ونحاول تعديلها والتعامل معها ولن نتبرع بدعم احد ضد احد فالجميع سفاحون طائفيون محودي العقل والفهم ..

7
لأجل هذا أيضا حزننا على شاب مثل محمد محرز انساق وراء دعوات الجهاد في سوريا ضد بشار وذهب ليلقى حتفه برصاصة في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل .. محرز أثار موجة من المناقشات والجدل بعد مقتله اضطررنا فيها -كالعادة- لتقبل العنف اللفظي أو الحجر -بشكل ضمني- على رأي من استغرب ذهاب هذا المصري للقتال في حرب أهلية -نعم أصبحت كذلك- في دولة أخرى ; وقد كشفت محادثاته مع احد أصدقائه على الفيسبوك عن سطحية شديدة وذكورية وما يمكن أن نسميه ملمحا داروينيا في التعامل مع الأمور ومنطقتها .. 
8
ولأجل هذا كان لدينا كل الحق عندما نادينا بسلمية الثورة وبعدم الانسياق وراء هواة الاشتباك ومدمني الأدرينالين وعندما رفعنا صور غاندي وأقواله وتداولنا مصطلح اللاعنف كطريقة للتعبير عن مطالبنا وغضبنا ..
كان لدينا الحق عندما كنا سلميين وخسرنا كثيرا عندما تخلينا عن سلميتنا وعندما التففنا حول من انتهك السلمية في مواجهة السلطة وعندما عمقنا الخلاف بين الثورة والسلطة الجديدة -العسكر أقصد- وانجررنا لمعارك لم نخرج منها أي شئ إلا بأرقام من الشهداء وتسليم متسرع للسلطة لجماعة فاشية أخرى ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Followers

Featured Posts