عن التنظير والعمل الميداني

تجاربي ومشاهداتي في الفترة الأخيرة دفعتني للتفكير في شأن البشر داخل التنظيمات والمؤسسات .. لاحظت -وربما أنا آخر من يعلم- أن العمل المؤسسي يمكن تقسيمه على نوعين من البشر المنظرين والمنفذين ..
هؤلاء الذين يجلسون على مكاتب ويقابلون شخصا أو شخصين في اليوم وهؤلاء الذين يجلسون على مكاتب ويقابلون عشرات الأشخاص في يوم واحد وهؤلاء الذين لا يجلسون على مكاتب ويمضون ساعات عملهم وسط الناس في الميدان ..
العلاقة واضحة أنه كلما ارتقيت في سلم الوظائف التنظيرية/الإدارية وأصبحت مقابلاتك محدودة مع البشر وأصبح لك جيش من السكرتارية وربما مسؤول يتلقى عنك سباب الناس كلما أصبحت سميك الجلد وربما اصبحت عكس ذلك ذو ذهن صاف وقادر على التبصر في الأمور والخروق بأفكار واستراتيجيات أفضل.. لكن في الأغلب والمشترك بين الاثنان أنك ستكون شخص أكثر هدوءا على الأرجح وأكثر إبداعية وإحساسا بقواعد البروتوكول والإيتيكيت ..
في المقابل لنفترض أنك مهندس مواقع إنشاء وتعمل تحت الشمس الحارقة يوميا فإنني أتوقع أن تكون شخص عصبي إنفعالي لا تبالي بالأمور البسيطة في نظرك وربما تكون معتاد على التجاوزات الكلامية واللفظية .. 
هذه القسوة والغباوة التي لم أكن معتادا عليها كشخص طيب القلب يفضل أن يتحمل المشقة على أن يوجه أحدهم لأمر بصيغة الأمر /التخويف/ استغلال السلطة المخولة له -في الغالب سلطة غير رسمية- في تمرير أوامره التي هي في الغالب تكون لصالح العمل والمؤسسة والصواب ..
ربما هذا هو الثمن الذي ندفعه لقاء رفاهيتنا أو ما نراه راحتنا أو ما قد يحسدنا عليه الآخرون من راحة قد لا نراها نحن.
لكني في النهاية كشخص يعمل -ينتمي ويحب أن ينتمي إن لم يكن كذلك- لهؤلاء المنظرين عديمي النفع أحتفظ بحقي في كراهية من يدعون علينا فضلا .. ربما موهبتهم تتجلى تحت أشعة الشمس الحارقة وربما لو جلسوا على مكاتبنا لخربوها مثلما تخرب الفتيات السيارات الفارهة ..

يقول النبي محمد -ص- :"فضل العالم على العابد كفضل الشمس على القمر وسائر الكواكب" أعتقد أن هذا الحديث الشريف يمثل ما أتمسك به من قيمة في مواجهة أطباء الجراحة والمهندسين والحرفيين وقادة المظاهرات الذين لايفقهون شيئا في هذه الحياة وأعذاء مجلس الشعب الذين أصبحوا مثل لاعبي كرة القدم المحترفين ولا يفقهون شيئا مثلهم مثل ربات البييوت الاتي انتخبنهم وتضمهم الأحزاب لعضويتها لمجرد ضمان نسبة تثيلية أكبر تستطيع من خلالها تنفيذ أجنداتها التي كتبت في غرف مكيفة بواسطة منظريهم ..

إلا إنني  أقول أنه ليس من حق أحد إدعاء فضل على الآخر فنحن نعمل ما نجيده وكل ميسر لما خلق له ونحتاج الغبي قبل الذكي والمندفع قبل المتروي وذا اليد المتسخة قبل ذي اليد الناعمة ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Followers

Featured Posts