رحلتي مع رحلة المسيري


ربما هي المرة الأولى التي أكتب فيها معلقا على كتاب قرأته كتاب لم يصدر حديثا بل هو متاح على الأرفف منذ اثنا عشر عاما تقريبا .. لماذا .. ربما بسبب الضجة والصخب الفكري اللذان يرافقان إسم المسيري وأفكاره وتلاميذه والمتعلقين به وبشخصه وبأفكاره والذين هم وللحق شئ يفتخر به المسيري نفسه ومن كان له معجبون مثلهم .. ولم لا والرجل صاحب طرح وؤية جديدين في مواضيع متعددة وله إنجاز عظيم -الموسوعة- يعطيه الشرعية الادبية والأخلاقية للتحدث عن أي شي وكل شئ ..

بمجرد أن تجاوزت بضع عشرات الصفحات حتى أحسست أنني أجلس أمام أحد أصدقائي المعروف عنه تأثره وربما تتلمذه ب/على أفكار ومبادئ المسيري.. ربما معرفتي المسبقة بأنني قد اتأثر بشكل لا إرادي بالكتاب وقد امتدحه من أثق بهم ومن هم منغمسون بين الكتب والمكتبات أكثر مني بمراحل جعلتني استعصي واستدعي ذاتي الرافضة والناقدة طوال رحلتي مع الكتاب ومؤلفه ..
الرجل كتب سيرته الذاتية باحترافية شديدة  وبأسلوب جذاب خفيف الظل يتسلل إلى قلبك وعقلك بطرائفه ومواقفه ووصفه لشخصية كاتبه .. الأسلوب الذي تقرأه ويجعلك تقارن شخصك بشخص المؤلف وتتبضع من صفاته كما لو أنك تضيف البضائع إلى عربة التسوق أثناء تجولك في السوبر ماركت ؛ تعجبني هذه الصفة تعجبني هذه القافية يعجبني هذا التناقض تعجبني هذه اللازمة تعجبني هذه العقدة خفيفة الظل .. إلخ

لا أعلم لماذا هذا الرفض الشديد مني ألا أقبل أي من أفكار هذا الرجل بالتحديد دون قراءتها والتأمل فيها ومحاولة نقدها إن أمكن والاختلاف معها إن استطعت .. لعله رفض للتنمط الفكري والتسليم لرجل أعلم يقينا أنه يمثل وأسس لتيار كبير من المثقفين وربما اختلافي أو عدم فهمي لأتباعه أو استهجاني لهم أو عدم رغبة في أن أكون فردا مثل آخرين .. ولا أعتقد أن المسيري يرضى بأن يكون محبيه وتلاميذه صورة كربونية منه ..

ورغم كل ما أدعيه من تعنت وتعسف في قراءة سيرة الرجل إلا أنني لا أنكر اعجابي وتأثري واقتناعي ببعض أفكاره والتي تعتبر جديدة علي تماما -فأنا غير موغل في قراءة الفلسفة وكثيرا ما أهملت القراءة بشكل عام بسبب انشغالات الدراسة- مثل كلامه عن ثنائية الإنسان والطبيعة  ووهم اليوتوبيا وتفنيده للأفكار الصهيونية بطريقة عميقة للغاية -هي جوهر الموسوعة-  معتمدا على نماذجه التحليلية الثلاثة ؛العلمانية الشاملة والحلولية والجماعة الوظيفية .. بالإضافة لتفاعلي مع اطروحته عن المجتمع التراحمي والمجتمع التعاقدي وإن كنت شعرت بأنه يميل للمجتمع التراجمي وشعرت أنني -كإنسان- أستطيع ان اعيش بشكل أفضل في مجتمع تعاقدي بشكل أكثر مما نحن عليه الآن ولذلك شعرت باختلاف مع ميله للمجتمع التراحمي برغم هذا فالرجل عرض النموذجين بشفافية وأمانة مكنتني من تبني وجهة نظر مغايرة لرأي الكاتب  ..

بالإضافة لاتفاقي واختلافي مع الكاتب في آراءه وجدته يتحدث عن أمور كانت تشغل بالي قبل أن أقرأ الكتاب بسنوات مثل دعوة الرجل لابتكار أشكال جديدة من المرح واللهو والترفيه غير تلك التي تصدرها لنا وسائل الإعلام وأن الآلة الإعلامية هي التي تجعل من فعل ما فعل ترفيهي شيق أغلب الأحيان .. وكذلك حديثه عن المعمار والبناء والقبح الذي استغرقت فيه مصر بعد ثورة يوليو ومع توافد أموال النفط على مصر وحديثه عن العلاقة بين الدين والحضارة والفنون المعمارية وطرافة ما فعله في عمارته في مصر الجديدة والذي ولد بداخلي فضول شديد لرؤية منزله!! كذلك عن إعجابه بفكرة الاغتراب واعتبارها نزعة حسنة ويجب النظر لها بشكل إيجابي لا سلبي كما ينظر البعض ..

المسيري استغرق كثيرا وأسهب في شرح اطروحاته الفلسفية بشكل أرهقني كثيرا -وانا أصنف نفسي كمبتدئ دائما- خصوصا عندما تكلم عن المادة والروحانيات في نهاية الجزء الأول واستعمل الشعر الإنجليزي كأمثلة ؛ شعرت بملل شديد دفعني لتحاوز عدد من الصفحات -وتكرر نفس الأمر في مواضع اخرى- حتى وجدت نفسي أمام مقطع شديد التركيز وثمين القيمة وجديد على مسمعي عن سر اقتناع المسيري بالإسلام ..
وهي وجهة النظر التي أيدها -واقتنعت بها- برفضه لفكرة الحلول في الأشعار والأدبيات الصوفية ..


ما يهمني بشكل شخصي وهي قضيتي الفكرية الرئيسية في مرحلتي الحالية هو "العلمانية" ولعل كتاب المسيري عن العلمانية الجزئية والشاملة -الذي لم أقراه بعد ولا أعتقد أني سأفعل في القريب- هو الذي شجعني على التعرف إلى الرجل والأفكاره ..
بالطبع طرح المسيري عن العلمانية الشاملة والجزئية في سيرته الذاتية كان مقتضبا مقارنة بكتاب من جز~ين عن ذات الموضوع لكنه كاف لي لأنتقد وجهة نظر الرجل ولعلي لا أجد افضل مما كتبته على موقع تويتر بعد قراءتي لهذا الجزء من الكتاب ..

مما قرأته النهاردة من رحلة المسيري الفكرية.. المسيري يدعو لترشيد العلمنة "العلمانية" متناسيا عدم وجودها في عالمنا العربي من الأساس .
المسيري يلوم على المثقفين العرب منادتهم وتبنيهم للعلمانية الغربية بحذافيرها دون أي تعديل .. وكإننا يمكن أن نعدل شئ لم نمتلكه بعد ..

المسيري في عرضه الموجز لعلمانيته الجزئية في سيرته الذاتية يفتح الباب لتعريص الكثيرين في زمننا الحالي . حزب الوسط مثال صارخ على ذلك

هذا بالإضافة لما أراه خلطا بين علمانية الدولة وعلمانية الفرد وأن صكه للمصطلحين سيفتح الباب أمام فاشيات دينية للقول بأنها تطبق العلمانية الجزئية


رحم الله عبد الوهاب المسيري واسكنه فسيح جناته

-------------------------------------------------------------------------------
تحديث بتاريخ 29\4\2013 : بالامس قررت اتباع نصيجة المسيري بخصوص الجوارب واشتريت ثلاث أزواج من الجوارب من نفس اللون ولعلي شعرت بشئ من البهجة لأنها المرة الأولى تقريبا التي أطبق فيها شيءا قرأته في كتاب بهذا الوضوح منذ زمن بعيد ..

مالا تعلمه عن المدن الجامعية


صورة بانورامية من تصويري لمباني المدينة الجامعية بالزقازيق


بصرحة الموضوع ده مصدر الم وغصة بالنسبالي .. المدن الجامعية في مصر لا ترقى لمستوى مستعمرات الجزام!!
بمناسبة أزمة تسمم الطلبة في المدينة الجامعية بتاعت الأزهر احب أشارككم تجربتي المريرة مع المدن الجامعية بتاعت جامعة الزقازيق ..
دخلت كلية طب الزقازيق سنة 2006 ودخلت المدن الجامعية في شهر اكتوبر نفس السنة وقعدت فيها تلات سنين متفرقة طوال مدة دراستي

.. تصور إن المدينة كانت بتسكننا ستة في أوضة واحدة صغيرة وحمامات مشتركة قذرة ونصفها متعطل بسبب قدمها وعدم صيانتها ومياة بتقطع عنها بشكل عشوائي ومتكرر .. اذكر إني ياما قطعت عليا المياة وانا اقضي حاجتي واضطررت للانتظار أنصاف وآحاد الساعات..

الأكل في المدينة كان بمواعيد غبية وتسليم الوجبات بيتم بشكل شخصي يعني لازم تصحى الصبح عشان تستلم وجبة الفطار بتاعتك ولو ماستلمتهاش هتتحسب عليك غرامة!!

الأكل نفسه كان سئ الجودة للغاية وكان بيتم بنظام المناقصات يعني أسوأ حاجة في السوق أذكر منه الطرشي أو المخلل اللي ريحته العفنة بتخليني ماستغربش لما أسمع إن طلبة جامعة الأزهر اتسمموا بسبب المخلل ..

بالطبع عندنا حكاوي كتيرة كنا بنتوارثها من الدفعات الأكبر مننا عن الدود اللي بيلاقوه في الأرز والجبن المنتهية الصلاحية .. إلخ
النظام الموجود في المدن نفسه كان قذر وقمئ لأبعد الحدود .. يعني مثلا لحد قبل الثورة كانت كل الأوض بدون فيش كهربا –مفاتيح النور بس- يعني الطالب اللي معاه موبايل مايعرفش يشحنه إلا في المسجد او في المطعم تحت.واللي كان يتمسك عامل وصلة كهربا –بتتوصف بالغير شرعية!!- كان بيبقى يوم أمه طين واحتمال يتفصل لو الموصوع اتصعد للمديرين ..
تخيل إنك لحد النهاردة لازم تجيب تصريح عشان تدخل اوضتك اللابتوب أو الكمبيوتر بتاعك ؟!!
لست في حاجة للحديث عن عدم النظافة وقذارة الجو العام للمدن بشكل عام بدءا من فرش السراير والبطانيات اللي كانوا بيسلموهالنا إلى الحمامات والمطعم ..

المؤذي في المدينة هو الشروط الجذافية اللي بتتفرض عالطلبة من الإدارة يعني مثلا جم في فترة وقالولنا ممنوع تستلم وجبة الغداء في اطباقك اللي بتجيبها من البيت وبيلزمك تستلم وجبة الغدا في السرفيس القذر –وحط عشر خطوط تحت كلمة القذر دي- بتاع المدينة ..

مرة تانية قرروا يلغوا البوتاجازات الموجودة في الطرقات اللي الطلبة بتسخن عليها رغيف العيش بتاع العشا –نظرا لإن العيش كله بيتخبز الصبح ولما بنستلمه بالليل بيبقى ناشف ومشضض(كلمة تستعملها أمي في وصف العيش اللي بالحالة دي)- وفي نفس الوقت اللي كان بيتمسك بسخان كهربا أو غلاية كهربا بيبقى يومه أسود..

نظام بالقذارة دي كان بيخليني أسأل نفسي إيه الفرق بين الإدارة العامة للمدن الجامعية والغدارة العامة للسجون .. إذا كان صوتنا اتنبح عشان يوفرولنا مصدر مياة شرب نضيفة وماعبروناش إلا بعد الثورة بفلتر واحد بطئ جدا بيغذي المدينة كلها (تقريبا 6000 طالب) ..

الصدمة الكبيرة إني بدأت اقتنع إن المساجين عايشين حياة أحسن من طلبة المدن الجامعية وإنهم بيخضعوا لإشراف المجلس القومي لحقوق الإنسان ..
على جانب آخر أنا نفسي أشوف رد فعل أي مواطن من دولة متحضرة لما يعرف إن المدن الجامعية في مصر مافيهاش مكتبات ولا قاعات انترنت وإن كل اللي حصل بعد الثورة إنهم جابوا كام راوتر وايرلس خربانين ومابيغطوش المدينة كلها ..
كل الخراب ده وييجي نائب رئيس جامعة ذكي يقرر ياخد كام دور من المدينة -اللي هي أصلا سايعة الطلبة بالعافية- ويقرر يخليهم سكن مميز -سكنت فيه في آخر سنة ووصفه الوحيد: خراء- وبأسعارخيالية بدل يحل ازمات المدينة والطلبة اللي ماسكنوش في المدينة غير لأسباب قسرية ..
ده الطالب الجامعي اللي هو طليعة المجتمع ثقافيا واجتماعيا وبيعاملوه كدة وانت طمعان في مستقبل مشرق .. ياخي #$%

Followers

Featured Posts