في وداع الحياة المدنية


جينيفر لوبيز, آريانا جراندي, تايلور سويفت, جايسون ديرولو الذي اكتشفته مؤخرا .. كل هؤلاء هم أصدقائي الأعزاء الذين سأفتقدهم طوال خمسة أشهر قادمة حيث لن يكون مسموحا لي باصطحاب أي أجهزة إلكترونية أو كتب أدبية/علمية أو حتى أكياس شاي إيرل جراي..

سألتني الظابطة في إختبار شكلي بحت: هل ترغب في أن تكون ضابط احتياط يا إبراهيم؟ أجبت بقطع ; طبعا لأ. لماذا يا إبراهيم؟ لإنني لدي خطة بديلة في الحياة المدنية التي أحبها كثيرا. بالطبع أي من إجاباتي ليس لها وزن. فمجرد وصولي لهذه المحطة من الاختبارات يعني أنني أصبحت ضابط احتياط ولا يبقى إلا تنفيذ الأمر.

ليس مسموحا لك باصطحاب كيس من السكر أو الشاي للداخل, لا هواتف محمولة, لا كتب, لا شئ سوى ملابسك وبعض الاحتياجات الأساسية مثل قصافة أظافر وخيط وإبرة لضبط مقاس الملابس العسكرية التي ستتسلمها. اصطحب معك أربطة ضغط وأدوية مسكنات, سيسمحون لك باصطحاب "الأناللرج" دواء الحساسية خاصتك. بالطبع سوف أصطحب علبة من الليبراكس وأدعو الله أن يمرروها وأدعو الله ثانية أن "الكلورديازبوكسيد" قد يساعدني في الإرتخاء وألا أنهار إذا ما رأي أحد ضباط الصف أن غروره وكبرياءه في موضع خطر لمجرد تواجده مع "دكتور" في مساحة واحدة.

ستقول نعم يا فندم وحاضر يا فندم وتمام يا فندم. لا تحذلق لا نقاش. سوف ترضخ لرغبة بعض الأوغاد في إذلالك لأنك أظهرت شخصيتك المدنية أو تذمرت من معاملة سيئة أو أوامر منهكة. يجب أن تدرك أنها فترة يجب أن تمر بها مثلما مر الآخرون. حاول ألا تتورط في أي شئ قد يجلب لك المتاعب. الجميع مستعدون للوشاية بك أو بغيرك للهرب من أي مسؤولية.

معاييرك لا تنطبق داخل هذه الجدران, حتى ملاءة السرير يجب أن يتم ترتيبها بشكل معين في الصباح رغم أنه لا أحد سيستخدم هذا الفراش غيرك, ورغم أنك أقنعت والدتك أن ترتيب الفراش في الصباح حماقة كبرى لأنه سيتهدل في المساء لا محالة.
حاول ألا تنهار. الكثيرون قبلك إنهاروا وأنا عندما أخبرك بذلك فأنا أخبرك أن الكثيرون أيضا لم ينهاروا.

البعض يتنغنى بالموت والشهادة على مواقع التواصل. حتى أصدقائي ضباط الجيش يحدثون أنفسهم بالشهادة. عن نفسي لدي مشاريع في هذه الحياة أريد أن أنجزها. لا أرتكب حماقة أن أحدث نفسي بشئ لا أطيقه لأجل نفاق مجتمعي. لله الأمر من قبل ومن بعد. لكني لا أتمنى الموت لأعدائي حتى أتمناه لنفسي تحت أي ظرف وأي مسمى.

أنتظر شهر رمضان في صحراء مصر الشرقية. ربما يترفقون بنا ويقللون الأعباء الجسمانية عنا, لكن البقاء مستيقظا طوال نهار رمضان مجهود قاتل بحد ذاته. أفكر بجدية في سؤال أحد المتفقهين في جواز الإفطار في رمضان لو اضطررت لذلك من شدة العطش في الصحراء.

لا أعرف ماهو مصدر التسلية في الخمسة أشهر القادمة لكني بكل الأحوال سأنجو مثلما نجوت من قبل. فقط أستشق على نفسي معرفة أناس جدد وأنا لا أطيق التعارف ولا التملق للأغبياء بحكم التواجد في مكان واحد. ولا أطيق أن أكون جزءا من خطة أحدهم للمرور أو للنجاة في هذه الأرض.

في كل الأحوال. عشمي في الله أن أنتقل بعد فترة التجنيد لمكان مميز في قلب القاهرة حيث يحلو لي أن أكون وأن أظل على اتصال بالمدنيين. وهذا مكسب للقوات المسلحة لو يعلمون.. ولكن لو قدر لنا/لي أن ألقى العدو فإني أرجو الله أن تكون رصاصاتي قاتلة وأن يسلمني من كل شر وغدر حيث أستطيع أن أعود للحياة المدنية حيث يمكنني أن أستمع باسترخاء لجينيفر لوبيز وآريانا جراندي وتايلور سويفت ونيكي ميناج.


------------------------------------------------------------

لو كان لي أن أتكلم بجدية أكثر في مقال واحد عن العسكرية المصرية -التي لم أبليها بعد- لنسخت هذا المقال الرائع عن: "لماذا يخسر العرب الحروب". في هذه الصفحة واكتفيت.

Followers

Featured Posts