لعبة المحاكاة

بالأمس شاهدت الفيلم الرائع "لعبة المحاكاة" "the Imitation Game" والذي يحكي قصة عالم الرياضيات البريطاني "آلان تورنج".
أنا لست ناقدا سينمائيا ولم آت هنا كي أكتب عن جمال الفيلم والتمثيل والإخراج والإنتاج الهوليودي ولا للتحسر على إنهيا صناعة السينما في مصر.. أنا هنا لكي أتكلم عن قضيتين فقط: السلام والتعليم.
استطاع المخرج أن يضعنا في أجواء الحرب بواسطة مشاهد أرشيفية أو ممثلة من الحرب العالمية الثانية وهذا الخطاب الإذاعي الذي يعلن فيه شخص ما عن رد بريطانيا على ألمانيا بإعلان حالة الحرب. للحظة أحسست سعادتنا نحن المصريين وشبقنا تجاه الحرب وكأنها يوم ممطر ستتسخ فيه ملابسنا ثم نعود لمنازلنا نشرب الشاي بينما بريطانيا التي انتصرت لنفسها خسرت ما يقل قليلا عن 400 ألف مواطن بين عسكري ومدني. لم يخرج أحد منتصرا من الحرب ولن يخرج أحد منتصر من الحرب.. والأكيد أنه "كتب عليكم القتال وهو كرها لكم" هو مجرد قانون عالمي ليس حكرا على المسلمين فقط. بريطانيا لم تكن تملك أن ترفع شعار الباسيفيزم وتنتج مواد فنية تدعو للحب والسلام. إنها الحرب.


لذلك لا أحد عاقل يفرح بالحرب. لا إنسان يجب أن يحب الحرب لكننا يجب أن نكون بارعين في الحرب أن نكون أوغاد ذوي دماء باردة إذا ما حاربنا أعداءنا.
هذا ما فعله آلان تورج عندما أخبره زميله في مختبر بيلتشلي أن أخيه موجود في أحد القوافل التي تستهدفها القوات الألمانية وأنه يمكن أن ينقذه لو أنه أجرى اتصال واحد يخبر فيه القيادة بمحتوى الرسالة التي فكوا شفرتها ..

أن تكون وغدا لأنهم أوغاد هذا ليس شئ سئ على الإطلاق لأن من يدعي المثالية في هذا العالم إما أحمق أو كاذب. على الأقل هذه قناعاتي وهذا ما أحيا لأجله. ألا تبدأ بالعداء وألا تستعجل في رد العدوان إلا إذا تيقنت أنها ضربة واحدة ستذهب بعدوك إلى ساحة المقابر وهو ما فعله آلان تورينج عندما طلب ألا تستخدم الرسائل التي تم فك شفرتها بشكل مباشر في تحاشي ضربات الألمان بل اقترح استخدام نماذج إحصائية لضربات وأهداف الألمان واستخدامها كستار بدلا من استخدام معلومات خام ستؤي بهم في النهاية لإفتضاح أمرهم من قبل الألمان.

في الجانب الآخر من الفيلم يأخذنا المؤلف لطفولة آلان تورنج وبعيدا عن الجانب النفسي والإجتماعي في نشأته دعونا ننظر إلى التعليم الذي تلقاه وأن كتابا أهداه له صديقه في المدرسة سيكون سببا في إنهاء الحرب لصالح الحلفاء. وكيف أن المتعلمين والأفذاذ هما الذان أنقذا بريطانيا وهما الذان سيبنيان بريطانيا بعد الحرب يالطبع..
هذا النظام التعليمي الذي سمح لطفل ما باكتشاف موهبته هو الدرع الأخير لأي بلد. وبالحديث عن مصر فأنا أقسم لكم أن مصصر لا تمتلك هذا الدرع. لأن التعليم مثل الغذاء;  لا يفيدك شيئا أن يكون البعض شبعانا والأغلب جوعانا. لأن الحضارة في النهاية في عصرنا هذا هي إبنة المجتمع ولا تستطيع أن تبني حضارة وتلاميذ مدارسك الإعدادية لا يجيدون القراءة وخريجو الجامعة لا يقرأون مراجع علمية والأهالي في المنازل يشاهدون برامج تليفزيونية تدعي أن سكب الزيت المغلي في دورة المياة أدى لإصابة أربع فتيات بمس من الجن ..

تحية لروح آلان تورنج المعذبة  بقدر ما ألهمني الفيلم الذي يحكي عن سيرته أمس.

Followers

Featured Posts