الترييض أو الترقيم



Mathematization كلمة انجليزية تعني اخضاع شئ ما للرياضيات والأرقام ووصفه بصفات حسابية. مثال ذلك هو الانتخابات والديمقراطية الصندوقية. فمثلا -وأرجوك عزيزي القارئ جاريني فيما أقول مهما اختلفنا- أنا أرى أن السيد حمدين صباحي أكثر كفاءة من السيد عبد الفتاح السيسي ويستحق الوصول لكرسي الرئاسة على هذا الأساس. لكن الكفاءة والتي قد يختلف عليها البعض صفة مراوغة وغير محسوسة. لا يمكن الاتفاق عليها. ما الحل. نعقد انتخابات بين المرشحين. ونجمع أصوات الناس في الصندوق ونحصيها ونفرزها في نهاية اليوم. نحن هنا نحتكم إلى الأرقام. نحن نريد أي مقارنة بين الشخصين تعتمد على الأرقام. قد يبدوفي الشأن السياسي عدد الناخبين في ظروف قياسية هو المعيار الأكثر أمانة.

إذن فمن يبدو لك أنه أفضل شخص يحكم البلاد حصل على 2% من أصوات الناخبين الصحيحة. هل هذا يعني أنه شخص سئ ؟ لا, أبدا.
وهل يعني أن من حصل على 97% من أصوات الناخبين شخص جيد ؟ طبعا لا. لا شئ يقيني عندما تستخدم الرياضيات في العلوم الانسانية والسياسية.


أنا لا أتكلم عن السياسة في هذا المقال على الإطلاق. أنا استخدم السياسة كنموذج حاضر ونشط يمكن استخدامه في توضيح الأمور.

فمثلا في الفقه الإسلامي قد تجد أغلب جمهور العلماء اتفق على حل واحد لمسألة ما. وقلة قليلة لم تتفق. هل هذا يعني أن الأغلبية على صواب والأقلية على خطأ؟ إطلاقا. بل أقول ما قاله الرسول ص :استفت قلبك. فالأمور المعنوية لا يتم الحكم عليها بالعدد والأقلية والأكثرية.
ولذلك قال الإمام علي رض الله عنه: لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه. العدد ليس معيار على شئ ما عندما نتحدث عن النفس الإنسانية وسلوكها..


ولذلك عموما.عندما يقول الله عز وجل :" يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " أعتقد أن التساؤل عن أشياء معنوية بشكل حسابي يدخل في تفسير هذه الأية.

أنا هنا لا أقول أن الديمقراطية خطأ أو حرام. ولا أقول أن اعتماد نتيجة الثانوية العامة كمعيار لتنسيق دخول الطلاب للكيات الجامعية شئ خاطئ تماما. أنا فقط أقول أننا كبشر يجب أن نعمل بجد للحد من التأثيرات السلبية لاستخدام الرياضيات في تسيير أمورنا اليومية. وهذا يعني وجود كود أخلاقي صارم نحترمه بيننا وبين أنفسنا. الصدق والأمانة والشفافية تضمن لنا أن نتناول الإحصاءات بشكل مرن وأن نتناقش حولها بحرية أكثر وأن نستخدمها بأقصى فائدة وأن نهملها لأسباب منطقية ووجيهة.

أعتقد أنني في النهاية أدعونا جميعا للعمل في صمت والتأمل والالتزام بمعايير أخلاقية شديدة الصرامة في تعاملنا مع الآخرين حتى لا نتحول إلى مجموعة من الوحوش في غابة بلا حاكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Followers

Featured Posts