تنمية الريف المصري



في الفترة الأخيرة –تتراوح بين ستين وثلاثين سنة تقريبا- يكثر الكلام عن تطوير الريف المصري والرغبة في عكس عملية الهجرة من الريف إلى المدن وكأن الأولوية هي الرغبة في إبقاء المدن غير مزدحمة. وهذا فكر قاصر تماما.
المجتمعات البشرية كلها تتجه للتمدن والانتقال لعادات وتقاليد المدينة باتطراد والسير عكس هذه العملية مثل الحرث في الماء.
يقول أغلب المخططين أن علينا أن ندخل خدمات المدينة إلى الريف حتى نوقف تيارات الهجرة هذه إلى المدينة بنفس النظرة القاصرة. ولمن لا يعلم فإن نقل الخدمات المدنية إلى الريف مثل الصرف الصحي والغاز الطبيعي يقلل الهجرة إلى المدينة بالفعل ولكنه أيضا يؤدي لزيادة معدلات المبناء على الأرض الزراعية التي تطعمنا ويتم بيعها بأسعار رخيصة مقارنة بأسعار الأراضي في المدن. وهكذا تنشا في الريف طبقات سكانية جديدة محسوبة على الريف ولا تعمل بأي من أنشطة الريف. وأنا بنفسي أشاهد الأجيال الجديدة من أبناء الريف المصري وقد حصلوا على شهادات عالية في الطب والصيدلة والحقوق والتجارة والآداب ووجودهم في الريف عبئ على الأرض الزراعية حيث أن أول حل لديهم لإقامة منزل هو تبوير قطعة أرض والبناء عليها أو عندما يحتاجون إلى أموال سائلة يقومون ببيع قطعة أرض زراعية بأسعار عالية لمن سيقوم بتبويرها والبناء عليها.
الخلاصة ان حماية الرقعة الزراعية في مصر تقتضي تخفيض عدد سكان الريف إلى أقل من النصف وتحول مصر إلى الصناعة لاستيعاب الطاقة السكانية الفائضة عند الريف المصري بدلا من مد خطوط الصرف الصحي والغاز الطبيعي إلى الريف.
هذا ليس كل الحلول. فأنا أرى أن اتاحة الأراضي في المدن الجديدة والصحراوية وتيسير المرافق والأعمال الإدارية المتعلقة بتعمير المدن الجديدة هو الخطة الأولى لخلخلة هذا الفائض السكاني في الريف بدلا من تركه ينهش في الرقعة الزراعية المحدودة.
بعد هذا وقبله يجب أن يكون الاهتمام بالريف مبني على وظيفته الأساسية وهي الزراعة وتصنيع الغذاء –وهذا موضوع عميق جدا ومشعب ولا يمكن الحديث عنه في سطرين مختصرين لمجرد جعل المقال أكبر قليلا- وهذا بدوره سيؤدي لطفرة مادية لدى الفلاحين والمزارعين وهو ماسييسر عليهم الحصول على المرافق والخدمات المدنية في الريف آجلا أو عاجلا.

Followers

Featured Posts