عن الانسانية والوحدة الوطنية وأشياء قد تنسى.. هناك دموع لم تجف بعد



بعد الثورة تخيلت ان آخر الحوادث الطائفية هي حادثة كنيسة القديسين بكل ما سال بها من دماء.. لم تكن تمضي على الثورة ايام قليل حتى نفاجأ بتكرار الحوادث والجهل والشذوذ الفكري والانحطاط الأخلاقي الذي يغذيه التطرف الديني في التعامل الآخر.. الآخر الذي هو انسان قبل أن يكون مسيحي..
لا استطيع ان اعبر عن خيبة أملي وأنا اجد ان قطاع كبير من مجتمعنا لا يعرف ان الأنسان هو الانسان وان اختلاف العقائد هو أمر مرده الى الله.. والأدهي ان  البعض يعتبر سقوط 25 شهيدا في أحداث ماسبيرو شئ بسيط طالما ليس فيهم مسلمين.. هل هذا هو الاسلام..
في الصباح التالي لليلة الكارثة والتي كنت تابعتها بحذافيرها عبر التويتر كان عندي لجنة امتحان في الكلية كنت استمع الى القرآن المجود بصوت الشيخ الطبلاوي مثلي مثل باقي المصريين لانعرف ربنا الا أيام الامتحانات.. استمع الى كلام الله.. هل فيه ما يدعو الى هذا الذي حدث او يبيحه او يدعو للسكوت عنه..
في الجامعة كم كنت في قمة خجلي واحساسي بالذنب والأسف وانا أشاهد اصدقائي المسيحيين.. كان الشعور بالذنب يجعلني ارسل نظرات غريبة اليهم من السهل ان يفهمها احدهم انها نظرة تشفي أو قسوة وماهي في الحقيقة الا شعور بالذنب..
المصادفة ان سيدة مسيحية (عرفتها من مظهرها) و رجل مسيحي ( عرفته من الصليب الذي يتدلى من جيبه)  كانا يراقبان علينا في لجنتي.. كانوا يتصنعون البهجة واللامبالاة في هذا اليوم.. كانا يمازحان الطلبة من وراء قلبهما.. اشفقت على هذه الابتسامة التي تخفي وراءها ألم وقهر..
بيشوي صديقي المسيحي كان معي على الانترنت ساعة الكارثة وتابعناها لحظة بلحظة.. لم يتمالك نفسه لأن يجلس الى كتاب يستذكر منه لأجل امتحان الغد.. وعدته أن ابقى على اتصال به داخل اللجنة.. وبغض النظر عما فعلنا في اللجنة من أفاعيل.. طلبت منه ان نتكلم بعد اللجنة فقال انه ذاهب الى الكاتدرائية ليودع ضحايا الأمس..
ظللت اسأل نفسي وأسأل الناس.. ما هو احساسك وأنت ذاهب لتودع 25 قتيلا على الأقل ذهبوا غدرا وبدون مراعاه لانسانيتهمٍِ؟
بعد الامتحان وقفت مع صديقي احمد وبدوره اوقفنا للتحدث الى سارة وصديقتها المسيحيتان.. سارة بصفتها تعرف مواقفي انا واحمد حسن صديقي اخفت حزنها.. بينما تملك الحنق من صديقتها وشرعت تحكي كيف أن دولة الكويت حين احتاجت الى بناء جسر ما سوف يحتاج الى ازالة الكاتدرائية ليمر مكانها.. عرضوا على المسيحيين قطعة أرض اكبر منها احد عشر مرة وفي مكان افضل من سابقه.. وذكرت كم ان هذه الكاتدرائية اكبر وأجمل من تلك الموجودة في القاهرة.. وذكرت كم يشاركهم الشعب والأطفال الكويتيون الفرحة في أعيادهم..
لم أبد أي رد فعل على رواية صديقتنا فقظ أيضا ذكرتها لمن قابلني بعد ذلك..
في هذا اليوم كنت قد اتممت  اربعين يوما لم ابت في بيتي ليلة واحدة منهم.. قابلتني أمي على الباب بالقبل والأحضان مثل أحن ما تكون الأم المصرية تذكرت كم أما وزوجة واخت وحبيبة افتقدت ابنها وزوجها وأخيها وحبيبها الى الأبد بدون ذنب.. وسألت نفسي السؤال المعهود.. هل يفرق الحزن بين مسلم ومسيحي ؟
حقيقة التعصب لا دين له.. لأنك حين تكون متعصبا تستسهل مقتل 25 مسيحيا على الأقل ودينك يحرم ذلك.. وحينما تكون متعصب تعارض بناء كنيسة تتسع المسيحيين رغم ان دينك لا يعارض ذلك.. هل هذا هو الاسلام.. هناك ثقافة تستغل الدين في تقديم الافكار السامة.. وتستخدم الأفكار السامة للقضاء على عظمة وجمال الدين وقدرته على التعايش..
انني رجل رأيت كثيرا من الاصوليين تكفلوا ان يجعلوني أفكر في جدوى هذا الدين ما داموا كمتدينين ليس لديهم ادنى قدر من الأخلاق.. ولما رجعت الى الكتب وجدت ان اخلاقهم لم يأت بها دين.. وانني حين اتكلم عن الاخلاق فاني اتكلم عن خلق التعايش الذي علمه لنا الرسول الكريم والائمة الاربعة..
انني لا أريد ان أقسم ألف يمين بالله العظيم ان المعتصمين الأقباط كانوا مسالمين حتى آخر لحظة وأن العنف والغدر جاء من قبل الشرطة العسكرية (والتي قد يكون بها اعضاء مسيحيين)  ولا أريد ان اعبر عن أن المسيحيين كائنات غاية في اللطف والعطف.. ولا أنصح كل مسلم أن يكون له صديق مسيحي.. ولا أريد ان اقول للمسلمين أحبوا المسيحيين..
اريد فقط ان اخاطب الانسان ان يسأل نفسه أليس هذا انسان.. هل هناك ذنب اقترفه الأقباط يستحق هذا الدم المهدر.. هل هناك كره يدفع الى التشفي في هذا الدم الطاهر.. هل هناك خلاف يدعو للسكوت عن هذه الأرواح المغدورة.. هل وصل بنا الحال الى هكذا بهيمية..
حسبنا الله وهو نعم الوكيل
 Text

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Followers

Featured Posts